"غزوة الكنتاكي" في العراق وتداعياتها

لجأت الحكومة العراقية إلى عسكرة مناطق انتشار المطاعم الأميركية بعد ما بات يعرف بـ “غزوة الكنتاكي” في إثر استهداف أنصار بعض الفصائل المسلحة سلسلة المطاعم الأميركية هذه وغيرها، ومصالح وشركات غربية بذريعة مقاطعة الدول الداعمة لإسرائيل في حربها ضد قطاع غزة.

وسلسة الهجمات التي شهدتها بغداد أخيراً، من دون أن تتسبب خسائر بشرية، أحرجت حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ومساعيه الرامية إلى إظهار قدرته على مسك زمام الأمور وإقناع العالم بتحسن الأوضاع في العراق لجذب الاستثمارات الأجنبية في مختلف القطاعات، وهو الأمر الذي دفع بالقوى الأمنية إلى مطاردة المتورطين بالهجمات والقبض على عدد منهم، على الرغم من انتماء بعضهم إلى جهات حزبية ذات شأن في المشهد العراقي.

هجمات منسقة

في سياق “غزوة الكنتاكي”، لجأت بعض الفصائل المسلحة التي تنضوي في تجمع فصائل ظهر بعد الحرب على غزة وأُطلق عليه أسم “المقاومة الاسلامية في العراق”، وهو تجمع مدعوم من إيران، إلى شن هجمات منسقة على المصالح الأميركية، وإطلاق بحقها، في عمل يُراد منه إظهار قدرة تلك الفصائل على قلب الاوضاع رأساً على عقب، وقتما ارادت، وتحكمها بالوضع العام، فضلاً عن سعيها لإقناع بعض شرائح المجتمع بسياسة مقاطعة إسرائيل اقتصادياً، حتى ولو بالقوة، وهو اتجاه لم يجد له صدى كبيراً في العراق، مع أن الترويج لمقاطعة العلامات التجارية الأميركية وردع الوجود الأميركي في البلد يجد قبولاً لدى الأوساط الشعبية، لكن الطريقة والاسلوب يبقيان محل نقاش.

في سياق الحملة تلك، تعرضت العديد من الشركات الاجنبية وفي مقدمتها الأميركية واغلبها ذات سمعة عالمية معروفة، إلى تهديدات بالاستهداف، الأمر الذي اضطرها إلى سحب ممثليها الأجانب من الفعاليات التي تقام في العراق، وخصوصاً المعارض التجارية والاقتصادية والثقافية، في خطوة تندرج في سياق سعي الفصائل لتحديد وتحجيم عمل الشركات الأجنبية في العراق، ومطالبتها بدفع أتاوات مالية أو نسب محددة من عائداتها مقابل الحصول على الحماية والعمل.

أربك مسار الأحدث خطط بغداد تطلق في أكثر من محفل دولي رسائل طمأنة للدول العربية والأجنبية من أجل توفير بيئة آمنة للشركات لخوض غمار المنافسة في تنفيذ مشاريع. فبدل الاستماع إلى ترحيب بتلك الخطط، باتت تستمع إلى التصريحات الدبلوماسية الغربية ضمن ردود الفعل على الهجمات، والتي تعبر بشكل واضح عن حالة الغضب والعتب على حكومة بغداد، ومن ضمن تلك التصريحات ما قالته السفيرة الأميركية ألينا رومانوفسكي في منشور على منصة إكس، وجاء فيه أن استهداف الامتيازات الأميركية والدولية، قد يؤثر على الاستثمار الأجنبي في الاقتصاد العراقي؛ وكذلك إدانة السفيرة الالمانية في بغداد كريستيانه هومان، تعرض الشركات الالمانية العاملة إلى تهديدات ومحاولات ابتزاز حيث التزمت الحكومة العراقية الصمت ولم تعلق على كلام السفيرة الالمانية.

تنافس إيراني أميركي

يُمكن وضع استهداف المطاعم والشركات الأميركية واحتمالات تصاعده في المرحلة المقبلة، في إطار التنافس المستمر بين واشنطن وطهران على النفوذ في العراق، وسط محاولات حثيثة من حكومة بغداد على التهدئة واقناع الفصائل الشيعية المسلحة بضرورة التأني في مواقفها من الوجود العسكري الأميركي إلى حين التوصل لاتفاق وتفاهم يجري العمل عليهما وخصوصاً إزاء مستقبل الوجود الاميركي ومستوى التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، وعدم اقتصاره على الجانب الأمني الخاص بمواجهة الإرهاب.

ومع أن الأجواء في حال استمرار الهجمات على المصالح الأميركية، ستكون مشحونة، فإن بغداد تسعى لإيجاد نوع من التوازن في التعاطي مع ملفات المنطقة، ولاسيما القضية الفلسطينية التي تجد تعاطفاً جارفاً معها في العراق، وسحب أوراق هذه المسألة من يد بعض المليشيات والسياسيين.

تبرز هنا مسألة الدوافع الإيرانية لتشجيع الهجمات على المصالح الأميركية؛ فإيران التي تملك أوراقاً عديدة في العراق ستعمل على:

1 – ضمان بقاء الاستفراد اقتصاديا بالعراق.

2 – عدم السماح لأي نفوذ غربي أو أميركي بالتدخل فيه وفق مصالح الولايات المتحدة.

3 – ديمومة العراق بيئة منفرة للاستثمار، الأمر الذي يدر على إيران عائدات كبيرة تعينها على مواجهة العقوبات المفروضة عليها.

4 – بقاء الملف النووي الإيراني حاضراً في أي مواجهة، ليكون العراق صندوق بريد إيصال رسائل للجانب الأميركي للتفاوض من جديد.

أما الجانب الأميركي فلن يكتفي بالبقاء متفرجاً أو مكتوف الأيدي ازاء ما يحدث، إذ من المرجح أن يلجأ إلى اساليب عدة منها:

1 – فرض عقوبات على البنوك العراقية التي تتعامل الميليشيات العراقية معها.

2 – احتمال شن هجمات نوعية على رؤوس مهمة في الفصائل المسلحة التي تستهدف المصالح الأميركية.

3 – التريث في تنفيذ الاتفاقات والتفاهمات المبرمة بين واشنطن وبغداد.

4 – عدم تنفيذ صفقات السلاح وربطها بتحجيم بغداد للنفوذ الإيراني أو دور الفصائل المسلحة.