عملية معبر الكرامة الأردني وانعكاساتها انتخابياً وما بعد

شكلت العملية التي قام بها الأردني ماهر الجازي في معبر الكرامة (لنبي)، حدثاً بالغ الأهمية في الأردن، وخصوصاً في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والضفة الغربية، بالتزامن مع استحقاق الانتخابات البرلمانية في المملكة التي جرت يوم الثلاثاء 10 أيلول/ سبتمبر، وأظهرت نتائجها الأولية حيازة الحركة الإسلامية على مقاعد فاقت توقعات الحركة نفسها.

العملية بتوقيتها ومكان حدوثها أثارت العديد من التساؤلات أهمها: تأثيرها على الشارع الأردني؟ وعلى الانتخابات البرلمانية في البلد؟ وهل ستفرض على صانع القرار الأردني إعادة النظر في موقفه من العدوان الإسرائيلي؟ وهل ستتحول الى عمليات مقاومة منظمة رداً على السياسات العدوانية لإسرائيل؟

تأييد شعبي للعملية

أهمية عملية معبر الكرامة، التي أسفرت عن مقتل 3 إسرائيليين، تأتي من خلال حالة التأييد الشعبي في الشارع الأردني، والتي تمثلت بمشاركة وفود من كل أنحاء المملكة في بيت العزاء الذي أقامته قبيلة الجازي لابنها في لواء الحسينية بمحافظة مْعان جنوبي البلاد، وأطلقت عليه “بيت الفرح”، والاحتفالات في الأوساط الشعبية الأردنية حيث حمل الأردنيون العلمين الأردني والفلسطيني ووزعوا الحلوى وأطلقوا الألعاب النارية، فضلاً عن التظاهرة التي دعت اليها أحزاب يسارية وإسلامية أردنية في عمّان، والتي شارك فيها المئات.

كما لاقت العملية تفاعلاً وإشادة كبيرين من رواد وسائل التواصل الاجتماعي الذين اعتبروها “العملية البطولية” تحمل رسائل عدة أهمها: فشل التطبيع بين الشعوب العربية وإسرائيل، وأن الصراع هو صراع وجود وليس صراع حدود.

ليس أخر الشهداء

البيئة العشائرية التي تعتبر المكون الرئيسي في المملكة أظهرت مدى تضامنها مع الشعب الفلسطيني ضد العدوان الإسرائيلي المتواصل، وقد ظهر ذلك في بيان قبيلة الحويطات التي ينحدر منها ماهر الجازي، ولاسيما إعلانها أن ماهر ليس آخر الشهداء.

وقالت العشيرة في بيانها “إن ما قام به ابننا هو ردة فعل طبيعية لإنسان غيور على دينه ووطنه وعروبته تجاه الجرائم المتواصلة التي يقوم بها المحتل الغاصب ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وإن دم ابننا الشهيد ليس أغلى من دماء أبناء شعبنا الفلسطيني ولن يكون شهيدنا هو آخر الشهداء.”

وحمّل البيان المسؤولية الكاملة لوقوع العملية إلى نتنياهو، معتبراً أنها جاءت “نتيجة الأعمال الشيطانية والمجازر التي يقوم بها تجاه أبناء فلسطين كافة وغزة تحديداً.”

وتعتبر قبيلة الحويطات من أكبر القبائل الأردنية، وشكلت تاريخياً أبرز أوتاد المملكة منذ نشأتها، حيث انخرط أبناؤها في الجيش والأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى وصول شخصيات منها إلى مناصب مرموقة.

موقف رسمي مُغاير

خلافاً للموقف الشعبي المُحتفي بعملية الكرامة مثلما ظهر في بيت العزاء والتظاهرات الشعبية، جاء الموقف الرسمي ليقلل من أهميتها. فبيان وزارة الخارجية الأردنية وصف العملية بأنها “عمل فردي”، مع تشديد على موقف الأردن الثابت في رفض وإدانة العنف واستهداف المدنيين لأي سبب كان، والداعي إلى معالجة كل الأسباب والخطوات التصعيدية التي تولده، وإلى التوصل لوقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة، ووقف التصعيد الخطير في الضفة الغربية وصولاً إلى تهدئة شاملة.

وفي هذا السياق، اعتبر وزير الخارجية أيمن الصفدي أن “أي محاولة لتهجير فلسطينيي الضفة الغربية للمملكة هو بمثابة إعلان حرب على الأردن”، رافضاً المزاعم التي يروج لها نتنياهو بشأن محور فيلادلفيا والحدود مع الأردن بشأن تهريب السلاح”.

انعكاس على الانتخابات

صحيح أن المقاعد الـ 31 التي أُعلن رسمياً عن ذهابها لحزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية للإخوان المسلمين ليست كافية لفرض تغيير جذري على توجهات الحكومة الأردنية، إذ إن هذا العدد من المقاعد لم يصل إلى الأغلبية المطلقة ولا النسبية، من أصل عدد مقاعد البرلمان الـ 138، لكن سوف تكون مؤثرة جداً، وخصوصاً عند طرح ما يتعلق بالمسألة الفلسطينية التي تتفق الجبهة الإسلامية إزائها مع أحزاب يسارية وقومية تمكنت من حجز تمثيل لها في البرلمان، وخصوصاً مع دعوة الجبهة إلى تعاون مع الجميع في هذا المضمار؛ وفي هذا السياق نقلت وكالة “فرانس برس” عن أمين عام الجبهة وائل السقا قوله “غزة وفلسطين والقدس كلها جزء من بوصلة الأردن الرسمي والشعبي، وسنعمل على حشد الجهود الشعبية والرسمية، لنكون عوناً لهم ومساعداً لهم في أخذ حقوقهم والدفاع عنهم.”

وكانت الحركة الإسلامية قادت الحراك الشعبي الأردني المؤيد للفلسطينيين منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وخصوصاً التحشيد للتظاهرات المتواصلة في الأردن، والتي لم تهدأ.

مستقبل اتفاقية السلام

من المرجح أن تُسهم عملية معبر الكرامة، في تعزيز الموقف الشعبي الداعي إلى إلغاء الاتفاقيات بين الأردن وإسرائيل، وخصوصاً مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية. وعلى الرغم من أن هذا الأمر لم يدفع الحكومة الأردنية، حتى الآن، لاتخاذ أي موقف يقضي بإلغاء الاتفاقيات أو حتى مراجعتها، فإن ما ظهر من التفاف شعبي حول عشيرة منفذ عملية “الكرامة”، وبيئته، والنتيجة التي أسفرت عنها الانتخابات البرلمانية، قد تكون دافعاً للحكومة الأردنية لاتخاذ توجه ما.

ويَعتبر الموقف الرسمي الأردني أن إلغاء اتفاقية السلام الموقعة سنة 1994 لا يخدم مصالح المملكة وفلسطين، ويرى أن الاتفاقية أتاحت دوراً خاصاً للمملكة الأردنية الهاشمية في إدارة المقدسات الإسلامية والمسيحية، وذلك على الرغم من التصعيد المتواصل الذي تمارسه إسرائيل على الشعب الفلسطيني وانتهاكاتها المتكررة للأراضي الفلسطينية بشكل عامّ ومدينة القدس والمسجد الأقصى بشكل خاص.

تحديات على صانع القرار

عكست عملية الكرامة، وما أعقبها من رد فعل شعبي، وانتخابي، حالة الغضب الذي يشعر به الشارع الأردني جراء العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وساهمت بشكل كبير في إعادة الزخم الشعبي في الداخل الأردني، وأفشلت خطط الاحتلال بعزل الشعب الفلسطيني عن محيطه العربي، وأكدت أن القضية الفلسطينية هي القضية الأساسية للأمة العربية، عموماً، وللأردن على وجه الخصوص، كون المملكة ستكون أكبر المتأثرين فيما لو استكملت إسرائيل مخططات اليمين المتطرف فيها، والساعي لضم الضفة الغربية وتهجير أكبر عدد من الفلسطينيين إلى الأردن.

وستفرض العملية تحدياً كبيراً على صانع القرار الأردني الذي يراقب الحالة الشعبية الحالية التي تطالب منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة باتخاذ إجراءات عملية ملموسة، وليس الاكتفاء فقط بالدعوة إلى وقف العدوان وتقديم المساعدات فقط للفلسطينيين، وذلك في ظل وضع اقتصادي صعب قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي.

وعلى الرغم من اتهام نتنياهو لإيران بـ “المسؤولية” عن العملية، نزعاً لمسؤولية الأردن كون منفذها مواطن أردني، ووصفها من قبل الخارجية الأردنية بـ “العمل الفردي”، إلا أن هذا لن يخفي حقيقة حدوث توتر في العلاقات بين إسرائيل والأردن، قبل العملية، وربما تصاعد هذا التوتر إلى مستويات جديدة، بعدها أيضاً.