ضغوط إقليمية ومحلية لتحجيم الكاظمي

تمثل إحالة الفريق أول أحمد طه هاشم أبو رغيف، وكيل وزارة الداخلية العراقي السابق، و13 ضابطاً آخراً على التقاعد ومنعهم من تسلم أي منصب بعد اتهامات قضائية بحقهم بالتقصير الوظيفي، خطوة واضحة المعالم نحو اجتثاث وتصفية كل من وما يرتبط بعهد رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، لما كان يمتلكه أبو رغيف من تأثير وقوة في الحكومة السابقة، كونه مثّل اليد الأمنية الضاربة للكاظمي.

تفكيك مراكز القوى

ويظهر واضحاً ان حكومة محمد شياع السوداني، وبدفع من قوى الإطار التنسيقي المقرب من إيران، أخذت على عاتقها تنظيف المؤسسات من كل شخصية مؤثرة ترتبط بالكاظمي وتفكيك مراكز القوى التي انشأها، انسجاماً مع رغبة تلك الأحزاب بتحجيم الكاظمي ومجموعته لما تكنه من كره له بسبب عدم تلبيته الكثير من مطالبها وقربه من الولايات المتحدة.

ويجدر التذكيرر بأن قوى الإطار التي رحبت بمصادقة السوداني على قرارات اللجنة الخاصة بالتحقيق مع أبو رغيف من بوابة بداية محاكمة المتورطين بالفساد وانتهاكات حقوق الانسان في مناخات شفافة، بزعم احتراماً للمواطن وتعزيزاً لثقة العالم بمؤسسات العدالة العراقية، فإن تلك القوى متهمة من قبل الكاظمي ومقربين منه بانتهاك حقوق الإنسان واستهداف المحتجين ضد حكومة عادل عبد المهدي إبان احتجاجات 2019 التي جاءت بالكاظمي رئيساً للوزراء بعد استقالة عبد المهدي.

وكانت “اللجنة 29” الملغاة التي ترأسها أبو ذراع أن ألقت في أيلول/ سبتمبر 2020 القبض على مدير صندوق التقاعد العراقي السابق، والرئيس السابق لهيئة استثمار بغداد والمدير السابق لشركة الدفع الإلكتروني “كي كارد” (Qi Card).

وبحسب بيان حكومي صادق رئيس الوزراء على توصيات اللجنة التحقيقية للنظر في الشكاوى المقدمة من مواطنين اشتكوا من انتهاك حقوقهم الإنسانية، ضد الفريق أبو رغيف، وجميع أعضاء “اللجنة 29” والضباط والمنتسبين المرتبطين بها، بعد أن أوصت لجنة التحقيق بإحالة الملفّ والأوراق التحقيقة الكاملة إلى القضاء بزعم ثبوت تقصير الموقوفين والمكفلين والهاربين وكل من ورد اسمه في التحقيق القضائي، لينال الجزاء العادل وفق القانون، وإحالة الأفراد، الذين أسهموا بتلك الانتهاكات، إلى التقاعد وبعدم تسلّم الضباط والمنتسبين المشاركين في تلك الانتهاكات أي منصب في الخدمة العامة مستقبلاً ومتابعة هيأة النزاهة حالات تضخم الأموال للمتهمين المنسوبين إلى “اللجنة 29” أو الأفراد المتعلقين بهم وكل من نُسبت إليه تلك الانتهاكات، كذلك توجيه العقوبة الإدارية إلى العناصر والأفراد الذين امتنعوا عن إبلاغ مراجعهم بارتكاب منسوبي اللجنة الإساءات والانتهاكات لحقوق الإنسان.

ومارست “اللجنة 29” مهامها في عهد الكاظمي الذي أطلق في صيف 2020 حملة لمكافحة الفساد، وترأسها أبو رغيف. وجرى خلال الحملة اعتقال مسؤولين كبار بالاعتماد على وحدات خاصة في قوات مكافحة الإرهاب.

وقد شكلت الحكومة الحالية في كانون الأول/ ديسمبر الماضي لجنة تحقيق للنظر في الشكاوى المقدمة ضد “اللجنة 29” بعد تهم موجهة لهذه اللجنة بممارسة التعذيب لانتزاع اعترافات.

استباقاً لدور محتمل

ويبدو أن استهداف الفريق الذي كان محيطاً بالكاظمي ومنهم أبو رغيف واضح للعيان بأن مصلحة أطراف إقليمية ودولية، ولا سيما إيران والولايات المتحدة، متطابقة في اتجاه إبقاء العراق يدار عبر شخصيات ضعيفة لا تمتلك صفة ومؤهلات القيادة.

وتحيط شكوك كبيرة بين الأوساط السياسية بأن ضغوطاً إقليمية مورست على جهات نافذة في العراق لطي صفحة الكاظمي مع قرب الاستحقاقات الانتخابية المتمثلة بالانتخابات المحلية وما يروج له من معلومات بوجود نية لديه بتشكيل لائحة أنتخابية تضم شخصيات من كل المحافظات العراقية، قد تتحالف مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر/ أو الحراكات الشبابية الناشئة التي يرتبط الكاظمي بعلاقة معها منذ احتجاجات 2019.

وبات الكاظمي في عين العاصفة بعد الحملة المنظمة لاستهداف الفريق الأمني والسياسي سواء بالمطاردة القضائية أو الفرار أو الاعتقال، على الرغم من الوساطات التي حصلت خلال الفترة الماضية والتي سعى فيها لهدنة طويلة مع قوى الإطار التنسيقي، لكن بعض الجهات في الإطار، لها رأي آخر على خلفية الصراع الذي كان دائراً وموقف الكاظمي من الحشد الشعبي وأطراف مؤثرة فيه، رأت أن الوقت مناسب جداً للقضاء عليه معنوياً وإعلان وفاته سياسياً، وقطع الطريق أمام أي محاولة للعودة إلى واجهة المشهد السياسي والحكم في العراق.

ويشكو انصار الكاظمي من أن ما يتعرض له يمثل استهدافاً سياسياً وأنتخابياً لتصفية الخصوم قبل موعد الانتخابات، ولا علاقة له بسيادة القانون، إذ إن تلك الاتهامات تتردد ضد معظم رؤساء الوزراء في العراق أو ضد مقربين منهم لكن من دون وجود أي إجراءات قضائية شديدة بحقهم.

وبات واضحاً أن الكاظمي الذي لا يملك غطاءاً حزبياً، يدفع ثمن خياراته السياسية غير المدروسة، أو وثوقه بوعود لم تتحقق، أو وقوفه مع طرف اعتاد التخلي عن حلفائه والانسحاب من خوض تجربة الحكم التي ليس من السهل الحفاظ عليها من دون خسائر تفرضها عليه الظروف.

ويعاني العراق الغني بثرواته النفطية من آفة الفساد الذي تسلل إلى مؤسساته الحكومية، وغالباً ما تُستهدف المستويات المتوسطة والبسيطة في حالة الإدانة، ومن النادر أن تطال قمة الهرم.