صندوق هيئة قناة السويس بين الطموح والتعثر

بين طموحات وأحلام التنمية، والراهن الاقتصادي الحرج الذي تواجهه، تبدو توجهات الحكومة المصرية متضاربة، ففي الوقت الذي تسعى فيه لطرق كلّ الأبواب الممكنة، من أجل توفير العملة الصعبة، وضخ المزيد من الدماء داخل الأوعية المالية التي أصابها التجلط، فوجئ الرأي العام بالتعديلات الأخيرة التي أقرها البرلمان، على القانون رقم 30 لسنة 1975، بشأن تنظيم العمل في هيئة قناة السويس، وإنشاء صندوق خاص مملوك لهيئة القناة، بداعي زيادة قدرة الأخيرة على المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة للمنشأة الاستراتيجية وتنميتها، الأمر الذي يعني استثناء أموال القناة من مدخلات الموازنة العامة، (كانت الهيئة تضخ إيراداتها مباشرة إلى وزارة المالية)، على الرغم من كونها أصبحت أهم مصادر العملة الصعبة، في ظل تراجع حركة السياحة.

وبموازاة الغضب الشعبي، تعالت أصوات من داخل النظام نفسه، رافضة مشروع القانون، فهاجم مستشار الرئيس المصري للموانئ والرئيس السابق لهيئة قناة السويس مهاب مميش، تخصيص صندوق خاص للهيئة، لافتاً إلى أن ذلك “يفتح الباب أمام سابقة لم تحدث منذ عقود طويلة، وهي وجود أجانب في إدارة قناة السويس، تحت مسمى الاستثمار.” كما أصدر محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، المقرب من النظام، بياناً طالب فيه بالاستماع إلى الرافضين لمشروع قانون صندوق قناة السويس، مؤكداً أن التخوفات والمحاذير “لا ينبغي أبداً تجاهلها، أو المضي قدماً في تمرير التشريع من دون الالتفات إليها، خصوصاً أنّ القناة لها رمزية في قلوب كل المصريين”، ومحذراً من شبهة وجود ما وصفه بــ “تفاهمات حالية مع بعض الدول الخليجية للشراكة والاستحواذ على بعض الشركات المملوكة لهيئة قناة السويس.”

عضو مجلس النواب مها عبد الناصر، أعلنت صراحة تحت قبة البرلمان، وفي عبارات نارية،  رفضها لمشروع القانون الجديد، ولفتت إلى أن الحكومة مصرّة على تكرار الأساليب الاقتصادية التي ثبت فشلها، وعلى الرغم من ذلك تنتظر نتائج جديدة. وأكدت أنّ تأسيس صندوق جديد لقناة السويس، في وقت تتعرض فيه الدولة لأزمة اقتصادية، أمر غير ضروري ولا يمثل أولوية.

وفي السياق ذاته، عبّر عضو مجلس النواب أحمد فرغلي، عن تخوفاته من مشروع القانون، وكشف النقاب عن أن الهيئة تدخل ضمن هيكل المساهمين في شركة بورسعيد لتداول الحاويات، بنسبة تصل إلى 38 في المئة. وشدد على أنه “لا يوجد أي داع لتدشين صندوق سيادي لقناة السويس، إذا كانت تستطيع المساهمة في شركات وتدخل في استثمارات.”

ويبدو أن الضغوط أثمرت عن إدراج بعض التعديلات على مشروع القانون، إذ تم تحديد مصادر تمويل الصندوق، وفقاً للمادة 15 مكرراً “3” من مشروع القانون، لتقتصر على نسبة من إيرادات هيئة القناة، أو جزء من فائض أموال الهيئة، وذلك بعد الاتفاق مع وزير المالية، فضلاً عن إيرادات استثمار أموال الصندوق، والموارد الأخرى التي تحقق أهدافه، على أن يقرها مجلس الإدارة، ويصدق عليها رئيس الوزراء.

وبغض النظر عمّا تسبب فيه القرار من جدل، وما أثاره من مخاوف حول مستقبل سيادة الدولة على المجرى الملاحي الحيوي، تذهب التقديرات الطموحة إلى إمكانية تكوين ملاءة مالية من خلال الصندق، تصل إلى 300 أو 400 مليار خلال أربع سنوات، بحسب تصريحات الرئيس المصري.

ولكن هل يحتمل الراهن الاقتصادي المصري تبعات مثل هذا المشروع الطموح، وما هي السيناريوهات؟

السيناريو الأول: تجاوز العثرات الاقتصادية ونجاح المشروع

يفترض هذا السيناريو توفر عدة معطيات، أبرزها نجاح السياسات المالية المرتبطة بتحديد سعر صرف مرن للجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية، في تخفيف الأعباء الناتجة عن تراكم الاختلالات المزمنة في العرض والطلب على العملات الأجنبية، وبالتالي تنامي احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي، إذ لا يمكن لهذا المشروع أن ينتعش بمعزل عن المسار الاقتصادي العام، الذي يؤطر بالضرورة مستقبل التنمية في مصر.

يتطلب الأمر كذلك نجاح خطط الحكومة بعد تعويم الجنيه، والرامية إلى سداد جزء من الدين الداخلي، والذي يرتبط بشكل مباشر بالتدفق النقدي، وتنشيط معدلات التفاعل الاقتصادي البيني على الصعيد الداخلي، الأمر الذي يؤدي إلى جذب استثمارات خارجية كبيرة، وهو أمر يرتهن إلى حد كبير بالواقع الدولي والإقليمي، وبالتالي ضرورة انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وتفادي تداعياتها، بشكل يضمن تدفق البضائع، ونشاط حركة التجارة العالمية، وهو أمر لا غنى عنه بالنسبة لقناة السويس.

ويمكن القول إن تحسن الظروف في الأسواق المالية الدولية، وتجاوز منعطف الحرب الدائرة في أوروبا، يعني انتعاش الأسواق الناشئة، وعودة الروح إلى الاقتصاد المصري. كما يتطلب ذلك نجاح الخطط الاستثمارية للصندوق الخاص، وعدم اقتصارها على الاستثمار الريعي، لتفادي المفاجآت، مع التركيز على مشاريع إنتاجية مثمرة، وفق إدارة راشدة، مثل تحول المجرى الملاحي إلى سوق دولي حر، على غرار دبي، وبالتالي يمكن للمشروع أن يتحول إلى أحد أبرز عناصر الضخ والإمداد للاقتصاد المصري، ونقطة جذب للعمالة والاستثمار العالمي.

السيناريو الثاني: عدم الإضافة، أو المراوحة بين النجاح والتعثر

ويرتبط هذا السيناريو كلياً بتداعيات الوضع الدولي والإقليمي، ذلك بأن استمرار التوتر الناتج عن تداعيات الحرب، وعدم حسم الصراع بشكل نهائي، يجعل حركة الملاحة والتجارة الدولية تنشط على فترات متقطعة، فيحقق الوعاء الإدخاري نجاحاً سرعان ما يعقبه تعثر، وإذا كانت احتمالات الخسارة محتملة، فإن احتمالات التربح تظل محدودة، وفق هذا السيناريو، مع احتمال لجوء الحكومة إلى الاقتراض من الصندوق الخاص للوفاء بمسؤولياتها، في ظل تزايد أعباء الدين الخارجي، في حال أصرت على استكمال خطط الخصخصة، والتي تعطي مسكنات وقتية، وسرعان ما يعقبها ألم شديد. في ظل إصرار الحكومة المصرية على أنّها لا تملك في الوقت الراهن، سوى المضي قدماً في خطط الخصخصة، ومحاولة جذب الاستثمارات الخليجية بالتحديد، مثل: صندوق الاستثمار السيادي لأبوظبي (مبادلة)، وصندوق الاستثمار السيادي السعودي (PIF).

وعليه لن يضيف المشروع، وربما يتم تجميده، وتصفية استثماراته، نظراً للاحتياج الشديد لكل عوائد القناة، لمعالجة الخلل في الميزان الاقتصادي.

السيناريو الثالث: الفشل وانهيار المشروع

ويعود ذلك إلى سوء الإدارة، وتفشي عناصر الفساد البيروقراطي، مع الاعتماد على النمو الذاتي لحركة الأوعية المالية، عبر وسائل الإدخار الريعي والمضاربة التقليدية، والفشل في جذب الاستثمارات الخارجية، أضف إلى ذلك استقرار الوضع الدولي عمّا هو عليه، وعدم حدوث انفراجة في الصراع الروسي الأوكراني.

وقد يسهم متغير شديد الأهمية، حال تحققه، في فشل الأمر برمته، وهو اتخاذ إسرائيل خطوات جادة في استكمال مشروع قناة البحر الميت، ما يعني ظهور منافس خطير في نفس المجال الجيوستراتيجي.