سيناريوهات المصلاحة بعد مصافحة السيسي أردوغان
انتشرت صورة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهو يصافح نظيره التركي رجب طيب أردوغان، على هامش مونديال 2022 في الدوحة، الأمر الذي أثار عدة تساؤلات بشأن مستقبل العلاقات المصرية التركية.
والصورة تظهر السيسي وأردوغان يتصافحان، ويتبادلان كلمات مختصرة، بينما وقف أمير قطر الشيخ تميم بن حامد إلى جانبهما.
عن لقاء المصافحة هذا، قال المتحدث باسم الرئاسة المصرية بسام راضي، في بيان، إن الرئيس عبد الفتاح السيسي صافح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتأكيد عمق العلاقات التاريخية بين البلدين والشعبين. وأضاف أنّه تم الاتفاق على أن ذلك سيكون بداية لتنمية العلاقات الثنائية بين الجانبين.
وصرح الرئيس التركي بأن مصافحة نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في قطر، كانت الخطوة الأولى نحو مزيد من التطبيع في العلاقات بين البلدين، مضيفاً أن إجراءات أخرى ستتبعها، مشيراً إلى أن مطلب أنقرة الوحيد من مصر، هو تغيير موقفها تجاه موقف تركيا في البحر المتوسط. ومؤكداً أنّ “العلاقات التي أقيمت في الماضي بين الشعبين التركي والمصري، مهمة جداً بالنسبة لنا. ما الذي يمنعها من أن تكون كذلك مرة أخرى؟ لقد قدمنا دليلاً على حسن نوايانا.”
وتأتي المصافحة في توقيت مهم للغاية، في أعقاب قيام وزير الخارجية المصري سامح شكري، في تشرين الأول / أكتوبر الفائت، بإعلان تجميد الحوار بين البلدين، نتيجة لما أسماه الممارسات التركية المستمرة في ليبيا. وخصّ بالذكر وجود “القوات الأجنبية” في ليبيا، مثالاً على هذه الممارسات. إلا أن الدافع المباشر للموقف المصري المباغت يرتبط بقيام أنقرة بتوقيع صفقة طاقة مع حكومة الدبيبة التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، الأمر الذي أغضب مصر التي تدعم حكومة شرق ليبيا، بزعامة فتحي باشاغا.
فضلاً عن الصراع في ليبيا، تلوم القاهرة على أنقرة قيامها بدعم جماعة الإخوان المسلمين، وإيواء المطلوبين منها، مع تزويد الجماعة بوسائل إعلامية للتحريض على العنف في مصر.
عقبات على طريق المصالحة
وكانت قد جرت على مدار أكثر من عام، عدة مباحثات استكشافية بين الطرفين المصري والتركي، في القاهرة وأنقرة، كما عقدت اجتماعات على مستوى نائب وزير الخارجية المصري حمدي لوزا، ونظيره التركي سيدات أونال، ويمكن رصد الصعوبات التي وقفت أمام تقدم المحادثات على مدار أكثر من عام، من خلال تتبع مسار الأحداث على مستويين: الأول هو الوجود التركي في ليبيا، والثاني هو الدعم التركي لجماعة الإخوان المسلمين.
على صعيد المستوى الأول، ترى القاهرة أن أنقرة لا تتخذ إجراءات جادة، بشأن مطلبين أساسيين لؤتمر برلين: ترحيل المرتزقة والمقاتلين الأجانب الذين أدخلتهم تركيا إلى ليبيا، وتقليل الوجود العسكري التركي في غرب هذا البلد. وبينما تؤيد القاهرة موقف اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5 + 5) من هذه القضية، تواصل تركيا الاستشهاد بالاتفاق الذي أبرمته مع حكومة الوفاق الوطني السابقة، كأساس للحفاظ على وجودها العسكري حتى وصول حكومة منتخبة جديدة إلى السلطة.
وعلى صعيد المستوى الثاني، فإن تركيا تبدو أكثر حزماً في التعاطي مع ملف الإخوان المسلمين، إذ إنها بدأت في انتهاج سياسات جديدة تجاه قيادات الجماعة الموجودين في أراضيها، من أجل إرسال رسائل إيجابية إلى القاهرة، فضيقت على تحركات الإخوان داخل أراضيها، وأغلقت بالفعل عدة منابر إعلامية، ومنحت كوادر الجماعة من التحريض على النظام المصري، وانتهى الأمر إلى اعتقال القيادي حسام الغمري، وآخرين في أواخر تشرين الأول / أكتوبر، وأوائل تشرين الثاني / نوفمبر 2022، وتم إدراج المعتقلين في قوائم الإبعاد على خلفية الخطر الذي يشكلونه على الأمن العام، بموجب ما يعرف برمز “G78″، بينما كانوا يستعدون لإطلاق قناة Telegram جديدة، للتحريض على الاحتجاجات في مصر، كما أنهم مرتبطون بقنوات أخرى أنشأها الإخوان خارج تركيا، لتجنب القيود في تركيا بعد منع العديد من مقدمي البرامج الإخوان من استئناف عملهم.
ليبيا العقبة الأهم
يبدو الخلاف المصري التركي في ليبيا هو الكقبة الرئيسيّة أمام تطبيع العلاقات، ففي الوقت الذي أبدت في أنقرة مرونة كبيرة بما يتعلق بملف دعم الإخوان المسلمين، لدرجة أنها لم تعد تبد جموداً بما يتعلق بتسليم بعض المطلوبين، إلّا أنها لا تستطيع التفريط بما حصلت عليه في ليبيا، وهذا الملف يمثل اختباراً للتوافق الصعب، في ظل التحالف المصري اليوناني في شرق المتوسط، والذي يزعج أنقرة بشدة، ويحوّل دول استفادتها بشكل عملي من الاتفاقايات الموقعة مع حكومتى السراج والدبيبة، وبالتالي تطرح الوساطة القطرية متغيراً جديداً في أفق الصراع بين البلدين، ببدء إذابة الجليد من أعلى بلقاء رئيسا البلدين.
لقد انتزع السيسي أخيراً اعتراف أردوغان بنظامه، بعد ما يقرب من عشر سنوات من الممانعة والرفض. ويُذكر أن الرئيس التركي هو صاحب شعار رابعة الشهير. لكن المتغيرات الجيوستراتيجية ربما دفعت الرئيس التركي أخيراً إلى إدراك حتمية التوافق مع القاهرة، من أجل الظفر بجزء من كعكة ليبيا وغاز شرق المتوسط، وهو توافق قد لا يخرج عن ثلاثة سيناريوهات:
السيناريو الأول هو الموافقة على إعادة ترسيم الحدود البحرية بين دول شرق المتوسط، والابتعاد عن الاتفاقات المنفردة التي جرت، سواء بين تركيا وليبيا، أو بين مصر واليونان وقبرص، وربما تدخل إيطاليا على خط القسمة الجديدة، بحيث تضمن الأطراف الموقعة حصة عادلة من التنقيب والتسييل والتصدير، وهو سيناريو شديد التفاؤل، ويعتمد على التوصل إلى تسوية نهائية في ليبيا.
السيناريو الثاني يقوم على تجميد النقاط الخلافية فيما يتعلق بالحدود البحرية، مع اقتسام الأدوار في ليبيا، عبر دعم حكومة ثالثة، تجري تحت عهدتها الانتخابات المؤجلة، ووفق هذا السيناريو، قد تقوم تركيا بتسليم بعض المطلوبين، وتجميد دعم الإخوان بشكل نهائي، بما في ذلك أنشطة القائم بأعمال المرشد، محمود حسين في أراضيها، لكن يظل هذا السيناريو في نطاق الاتفاقات الجزئية، التي قد يظهر في إطارها عقبات جديدة بعد حين.
السيناريو الثالث هو الدخول في جولات متتالية من المباحثات، بالتزامن مع تطوير العلاقات التجارية بين البلدين، مع الحرص على عدم الاصطدام في ليبيا، على الرغم من دعم كل دولة لطرف منافس للآخر، وهو سيناريو يعتمد على استراتيجية “صفر صراع”، مع سبر أغوار المستقبل، وعدم السماح للنقاط الخلافية بتجميد العلاقات بشكل كلي، الأمر الذي يضمن لتركيا مواصلة الحراك الإقليمي بلا مضايقات، ويضمن للقاهرة إغلاق ملف دعم أنقرة للإخوان بشكل نهائي.