دلالات وأهمية تعيين السعودية سفيراً في دمشق
شكل الإعلان عن تعيين سفير سعودي في دمشق حدثا ًاستثنائياً بعد القمة العربية، ولاسيما تزامنه مع تقارير تشير إلى فشل التقارب العربي مع دمشق في تحقيق أي نتائج ملموسة، وبعد أكثر من 6 أشهر على تعيين دمشق الدكتور أيمن سوسان سفيراًش لها في الرياض.
تعيين السفير السعودي أثار تساؤلات بشأن ماهية العلاقات بين البلدين، والأسباب التي دفعت كل من الرياض ودمشق إلى تطبيع العلاقات الثنائية وانعكاس هذا التطبيع على مسار حل الأزمة السورية الذي يعاني من جمود.
تعيين السفير السعودي بدمشق
شكل إعلان الرياض تعيين الدكتور فيصل المجفل سفيرا لها في سورية حدثاً مهماً في مسار تطور العلاقات الثنائية بين البلدين، ليكون أول سفير سعودي يعين في دمشق منذ نحو 12 عاماً.
ويعتبر المجفل شخصية دبلوماسية وعسكرية مميزة، فهو حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة الملك سعود، وشغل منصب سفير لبلاده في الكاميرون، ويحمل رتبة لواء في القوات المسلحة السعودية، وكان قد تمت ترقيته إلى هذه الرتبة في سنة 2019، الأمر الذي يؤكد خبراته العسكرية والأمنية التي ستعزز من دوره الدبلوماسي في سورية.
تعيين المجفل يأتي بعد نحو 6 اشهر على تسلم الرياض أوراق اعتماد سوسان سفيراً لدمشق في الرياض، فضلاً عن إعادة ملف الحج الذي يحمل أهمية رسمية إلى الحكومة السورية.
العلاقات السورية السعودية
أورد الكاتب البريطاني الراحل باتريك سيل في كتابة “الأسد.. الصراع على الشرق الأوسط” إن “هناك روايات بأن مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز آل سعود طلب من أبنائيه أن تبقى عيونهم على سورية.”
ورواية سيل هذه تؤكد قناعة الملك عبد العزيز بأهمية سورية في السياسة السعودية.
بدأت العلاقات بين البلدين بعد الحرب العالمية الثانية حين اعتمد الملك عبد العزيز على عدد من السياسيين والاقتصاديين السوريين كمستشارين وخبراء يعتمد عليهم في دولته الناشئة.
ساهمت السعودية في دعم حكم شكري القوتلي وساهمت بإعادته إلى الحكم أكثر من مرة بعد تعرض نظامه لانقلاب عسكري على يد حسني الزعيم، فيما تسبب انقلاب اديب الشيشكلي بسوء في العلاقات في عهد الرئيس هاشم الاتاسي، كما لم تكن العلاقة ودية في عهد الوحدة بين سورية ومصر بسبب طبيعة العلاقة بين السعودية والرئيس المصري جمال عبد الناصر.
العلاقات بين البلدين شهدت تطوراً كبيراً في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، على الرغم من الخلافات في وجهات النظر في عدد من الملفات، مثل الحرب العراقية الإيرانية، ومخاوف الأسد من طرح مبادرة الأمير فهد بن عبد العزيز للسلام مع إسرائيل، والخلاف مع شقيقه رفعت وتوجسه من مؤامرة سعودية أميركية لإسقاطه.
مثلت العلاقة بين الرياض ودمشق دعامة للعمل العربي المشترك، وتمثل ذلك باتفاق الطائف لإيقاف الحرب الاهلية اللبنانية، والدعم المالي السعودي لسورية في ثمانينيات القرن الماضي، واللقاءات الثلاثية التي جمعت الرئيس الأسد والأمير عبد الله والرئيس المصري محمد حسني مبارك بعد حرب الخليج الثانية، وغيرها.
علاقات متوترة مع الأسد الابن
العلاقات السورية السعودية شهدت انتكاسة بعد تسلم الرئيس بشار الأسد بسبب خلافات في وجهات النظر بشأن عدد من الملفات الإقليمية منها: العلاقة مع إيران، والاحتلال الأميركي للعراق، واغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وحرب تموز/ يوليو 2006 بين حزب الله وإسرائيل، وصولاً إلى ما يعرف باسم الربيع العربي.
فبعد 11 أيلول/ سبتمبر 2001، وسيطرة المحافظين الجدد على السياسة الخارجية الأميركية، وتبنيها سياسة تغيير الأنظمة، تباينت وجهات النظر بين الرياض ودمشق بشأن احتلال العراق، الذي أيدته السعودية بشكل علني ورفضته سورية.
وساندت سورية آنذاك الفصائل العراقية المسلحة التي قاومت القوات الأميركية، ووُجِّهَت إليها أصابع الاتهام، بالسماح لمسلحين، من بينهم سعوديون، بالتسلّل إلى العراق ومحاربة الجنود الأميركيين، الأمر الذي أزعج القيادة السعودية حينها، لكنه لم يصل إلى حد القطيعة أو الخلاف، ولم يتعدَ كونه اختلافاً في وجهات النظر، وصل في حدّه الأقصى، إلى التسبب في فتور العلاقات بين البلدين.
الملف اللبناني وحرب 2006
كان الملف اللبناني العامل الأكثر زعزعة للعلاقات السورية السعودية، ولاسيما رفض السعودية لقرار سورية التمديد للرئيس اللبناني الأسبق إميل لحود في سنة 2004، واغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري الذي كان بمثابة رجل السعودية الأول في لبنان نظراً لعلاقاته الوثيقة مع الرياض، والذي رفض التمديد بداية، لكنه رضخ له في نهاية المطاف، ثم دعم السعودية للمحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الحرير،ي والتي كانت تشير الاتهامات الى مسؤولية الأجهزة الأمنية السورية عن الجريمة، وصولاً الى العدوان الإسرائيلي على لبنان في سنة 2006، بعد قتل حزب الله 3 جنود إسرائيليين وأسه اثنين آخرين. حينها ندّدت الرياض بما وصفته بـ “المغامرات غير المحسوبة”، في انتقاد واضح لحزب الله.
التنديد على هذه الشاكلة أدى لاحقاً إلى أن يأخذ الخلاف السعودي السوري بعداً شخصياً، مع تصريحات للرئيس السوري بشار الأسد، تحدث فيها عن أن الحرب “أسقطت أصحاب أنصاف المواقف، أو أنصاف الرجال”، منتقداً الدول التي اتهمت حزب الله بالمغامرة، وهو ما عُدَّ إشارة إلى دول عربية من بينها السعودية. واعتُبرت عبارة “أنصاف الرجال” تحديداً موجّهةً للقادة في الخليج.
الربيع العربي والقطيعة
بعد اندلاع الأزمة في سورية في آذار/ مارس 2011، توترت العلاقات بشكل كبير بين السعودية وسورية، ووصلت إلى حد قطع العلاقات في شباط/ فبراير 2012، حين أغلقت الرياض سفارتها في دمشق وطلبت من الدبلوماسيين السوريين مغادرة أراضيها، ثم لم تمنح السعودية تأشيرات لأداء فريضة الحج لسوريين سوى لمن قدموا طلبات في قنصليات بدول مجاورة، بدلاً من العمل مع الحكومة السورية لتحديد تأشيرات الحجاج.
وأقر وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل، في أيلول/ سبتمبر 2014، في كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن بلاده تدعم المعارضة السورية المعتدلة، وتحارب “الجماعات الإرهابية”، واصفاً الرئيس السوري بأنه “الراعي الأول للإرهاب في سورية”، وشدد الفيصل حينذاك بأنه “ليس للأسد دور” في مستقبل بلاده، ووصفه بأنه رئيس “فاقد للشرعية”.
وكان جيش الإسلام بزعامة زهران علوش وهو الفيصل الأقوى في الغوطة الشرقية، يحظى بدعم سعودي سياسياً وعسكرياً، استطاع أن يشكل أكبر خطر على دمشق، إلى أن تمكّنت القوات المسلّحة السورية وحلفاؤها من قتل زهران علّوش في كانون الأول/ ديسمبر 2015 وبدء تفكيك هذا الجيش.
السعودية استضافت مؤتمرين للمعارضة السورية في الرياض سنة 2015، حيث توصلت مختلف أطياف المعارضة السورية، السياسية والعسكرية، إلى اتفاق يشترط رحيل الرئيس بشار الأسد عن الحكم “مع بداية المرحلة الانتقالية”، كما عقد مؤتمر الرياض 2 في 2017، بهدف توحيد صف المعارضة السورية، بالإضافة إلى الخروج بوثيقة عن مكونات المرحلة الانتقالية في سورية.
الدعم العسكري السعود للمعارضة السورية توقف في سنة 2017 مع إعلان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، وقف هذا الدعم عقب اجتماع له مع أقطابها، في خطوة وضعها مراقبون حينئذ، في إطار ما وصفوه بتسليم “الورقة السورية” إلى روسيا.
القنوات الأمنية
على الرغم من انقطاع العلاقات الدبلوماسية إلّا أن العلاقات الأمنية لم تنقطع، فقد زار رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك السعودية والتقى بالأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد حينها، إذ أشارت التسريبات إلى أن اللقاء جاء بعد زيارة الأخير إلى روسيا.
تلا ذلك الاجتماع حديث عن اجتماع بين رئيس المخابرات السعودية الفريق خالد الحميدان باللواء مملوك، وسادت في عقبه التكهنات بقرب عودة العلاقات بين البلدين.
في كانون الثاني/ يناير 2023 زار مدير إدارة المخابرات العامة اللواء حسام لوقا السعودية ثم عاد بطائرة خاصة سعودية إلى دمشق، ليتم بعد ذلك بشهور قليلة الإعلان عن استئناف العلاقات بين البلدين، وحضور الرئيس بشار الأسد القمة العربية 32.
عودة العلاقات
اجرت سورية والسعودية في آذار/ مارس الماضي محادثات لإعادة العلاقات بينهما، وأعلن مسؤول في وزارة الخارجية السعودية في بيان أنه “في إطار حرص المملكة على تسهيل تقديم الخدمات القنصلية الضرورية للشعبين، فإن البحث جار بين المسؤولين في المملكة ونظرائهم في سورية بشأن استئناف تقديم الخدمات القنصلية”.
تلا ذلك زيارة لوزير الخارجية فيصل المقداد الى الرياض، وزيارة لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى دمشق ولقائه الأسد، ثم الإعلان عن عودة سورية إلى جامعة الدول العربية، ومشاركة الأسد في قمة جدة حيث استعادت دمشق بعدها العربي.
أهداف عودة العلاقات
اللافت هو أن الإعلان عن بحث إعادة العلاقات بين الجانبين جاء بشكل أساسي عقب أيام على اتفاق سعودي إيراني برعاية صينية على إعادة العلاقات بين البلدين بعد قطيعة استمرت 7 سنوات، واتباع الرياض سياسة تصفير المشكلات مع دول المنطقة بما يتوافق مع رؤية ولي العهد 2030 ومكانة السعودية العربية والإقليمية والدولية.
ويرى مطلعون أن أسباب تطبيع الرياض مع دمشق يرتبط بفشل المعارضة السورية في توحيد جهودها، بالإضافة إلى أن قطع العلاقات بين معظم الدول العربية ودمشق أدى إلى تراجع الدور العربي في الأزمة، فيما تعززت أدوار دول أخرى مثل روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا.
يضاف الى ذلك حرب الرياض الشرسة على المخدرات في المملكة وتحول سورية بسبب تراجع الوضع الأمني فيها من دولة مرور لتلك الافة إلى مصنع لها.
فيما يخص سورية يرى محللون أن عودة العلاقات يشكل مكسباً معنوياً كبيراً واعترافاً بموقع النظام السوري، بالإضافة إلى أن دمشق ترغب بتطوير علاقاتها الاقتصادية مع البلاد العربية وعلى راسها السعودية وتوقيع اتفاقيات تتعلق بإعادة الإعمار، وخصوصاً أن الخزينة السورية تعاني من أزمة حادة في السيولة.
توقعات مستقبلية
يرى مختصون أن عودة العلاقات السورية السعودية سينعكس بشكل إيجابي في عدة قضايا منها المساهمة بإيجاد حل سياسي للازمة السورية التي يمكن أن تلعب الرياض دوراً كبيراً في هذا المجال مع المعارضة والنظام، وخصوصاً أنه تم طرح استضافة الرياض لاجتماعات اللجنة الدستورية بدلاً من جنيف التي تتهمها دمشق وموسكو بعدم الحيادية.
كما يمكن للسعودية بثقلها العربي والإقليمي والدولي أن تكون قادرة على التاثير على مواقف الدول الفاعلة على الأراضي السورية (روسيا؛ الولايات المتحدة؛ تركيا؛ إيران) من خلال تحقيق تقدم في مسار حل الأزمة السورية، وفقاً لمطلعين، رأوا أن “التطبيع بين البلدين قد يساهم بالتقدم في المبادرة العربية خطوة خطوة، لحل الازمة وتحقيق اختراق في هذا المجال، والعمل الثنائي على مكافحة تهريب المخدرات من سورية، مقابل الحصول على تدفقات مالية تساعد دمشق في مواجهة الأزمة الاقتصادية المستفحلة.”
وتابع المطلعون على تفاصيل ما يجري، أن تطور العلاقات بين دمشق والرياض سينعكس على ملفات إقليمية مثل لبنان، لافتين إلى أن مسار التطبيع، لا يمكن تصور حدوثه من دون اطلاع واشنطن على تفاصيلها وموافقتها على انخراط الرياض في الملف السوري، وهو ما قد يُحدث خرقاً على العقوبات الغربية المفروضة على دمشق في الحد الأدنى.