خيارات محدودة أمام هيئة تحرير الشام بعد أزمة التعامل

تعيش هيئة تحرير الشام تصدعاً في صفوفها، بعد توجيه اتهامات إلى عناصر وقيادات في الهيئة في التعامل مع النظام وجهات أُخرى نافذة على الساحة السورية، والقبض عليهم ومن ثم تبرأتهم، وما تسرب من شهادات بشأن التعذيب الذي يتعرض له المعتقلون داخل سجون الأمن العام التابع للهيئة، وخروج بعض المعتقلين جثث هامدة جراء التعذيب، وهذا ما حدى بالمواطنين في إدلب، في شباط/ فبراير الماضي، إلى الخروج بمظاهرات مناهضة لهيئة تحرير الشام والأمن العام.

عمليات الاعتقال لم تقتصر على العسكريين ضمن الهيئة، بل امتدت لتشمل قيادات من الصف الأول مثل الرجل الثاني في الهيئة أبو ماريا القحطاني، وهروب الشخصية الثانية في هيئة تحرير الشام أبو أحمد زكور إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني شمال سورية.

الشارع ينتفض على الهيئة

الوضع الذي تعيشه هيئة تحرير الشام حالياً قد يكون من الصعب احتواءه مثلما كانت عليه الأمور في مرات سابقة شهدت صراعات بين الهيئة وفصائل معارضة أخرى وفي داخلها أيضاً، ويرى الكاتب والباحث السياسي عبد الكريم اليوسف في تصريح لـ “موقع التقرير العربي” أن رقعة الاحتجاجات في إدلب باتت أكثر اتساعاً وجرأة، وخصوصاً بعدما تكشف عن قضية ملف العملاء حجم عمليات التعذيب التي وصلت إلى حد تسلم الأهالي أبناءهم المعتقلين، الأمر الذي أدى إلى انفجار واسع للشارع في وجه قيادة الهيئة بصورة قد يصعب احتوائها، مثلما جرى في مرات سابقة.

ويشير اليوسف إلى أنه على الرغم من إطلاق سراح المعتقلين من سجون الهيئة وإعلان زعيم التنظيم أبو محمد الجولاني عن حزمة إصلاحات في مناطق سيطرة الهيئة، فإن القفز عن مطالب الشارع المتمثلة بإقالة قيادة الهيئة، قد يستفز الشارع ويزيد من رقعة الاحتجاجات الشعبية مع احتمالات حدوث صدام بين الهيئة والمتظاهرين؛ هذا فضلاً عن الخلافات الداخلية بين تيارات الهيئة المحسوبة على القحطاني وأبو أحمد زكور وتيارات أخرى ضمن الهيئة على خلفية عمليات الاعتقال الأخيرة.

ويضيف اليوسف، أن احتمال لجوء الجولاني إلى العنف لن يكون مستبعداً، إذا لم تنجح عملية الإصلاح التي تحدث عنها، وخصوصاً أن الخلافات داخل تيارات الهيئة كبيرة، وقد تصل إلى الانقسام بين الكتل العسكرية داخل الهيئة، ومن ثم الانهيار.

خيارات تحرير الشام

وتبقى خيارات هيئة تحرير الشام في التعاطي مع الأحداث الحالية في إدلب محصورة بعدة سيناريوهات محتملة لمواجهة الاحتجاجات الشعبية من جهة وحل الخلافات بين تيارات الهيئة العسكرية من جهة أخرى وتتمثل تلك السيناريوهات في:

1 الشروع في إصلاحات اقتصادية وسياسية حقيقية تلبي تطلعات المحتجين وتتمثل في: إعادة هيكلة جهاز الأمن العام ومجلس الشورى وتوسعته؛ تعزيز دور فعاليات المجتمع المدني؛ تخفيف الضرائب المفروضة على المواطنين؛ تشكيل مجلس قيادة مشترك يتنازل من خلاله الجولاني عن بعض صلاحيته بصفته القائد العام؛ إعادة تشكيل حكومة جديدة تخضع لراقبة مجلس الشورى المنتخب

2 تقديم هيئة تحرير الشام تنازلات جديدة للأطراف الإقليمية والتعهد بعدم تجاوز دورها الحالي في إدلب والإلتزام بالاتفاقيات الدولية والإقليمية الخاصة في إدلب تحت مظلة أستانا ومنها اتفاق خفض التصعيد وفتح الطرق الدولية

3 شروع قيادة هيئة تحرير الشام باحتواء الخلافات الداخلية بين التيارات العسكرية وإعادة الشخصيات المبعدة عن المشهد العسكري مؤخراً بعد قضية التعامل، وعلى رأسهم أبي ماريا القحطاني وأبو أحمد زكور والذين يتمتعان بقوة عسكرية مبنية على خلفية عشائرية واجتماعية

4 لجوء هيئة تحرير الشام لاستخدام القوة العسكرية والأمنية في مواجهة الاحتجاجات في حال وصلت الأمور إلى طريق مسدود مع المحتجين. ويعتبر هذا الخيار آخر ما تفكر فيه قيادة الهيئة في الوقت الراهن

5 شن هيئة تحرير الشام عمليات عسكرية ضد مواقع قوات النظام السوري وتحقيق مكاسب عسكرية محدودة في محاولة منها تخفيف الضغط الداخلي عليها وتوجيه الأنظار نحو المخاطر المحتملة لقوات النظام السوري في حال تفكك الهيئة عسكرياً والعودة إلى الحالة الفصائلية وهدم المؤسسات الحكومية.

الانضباط داخل إدلب

يبدو واضحاً أن ما يجري في صفوف هيئة تحرير الشام، والاحتجاجات الشعبية، قد أضعفت قدرة الهيئة على نقل الأزمة إلى الخارج، مثلما حدث أخيراً عندما اجتاحت الهيئة مناطق في شمال حلب تخضع لنفوذ الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، وهذا ما أزعج في حينه بعض الأطراف الإقليمية التي لا تريد من الهيئة التوسع خارج حدود إدلب، مثلما يرى الباحث السياسي وائل علوان في تصريح لـ “موقع التقرير العربي”. أما في الوضع الحالي، فإن هذه الأطراف ترى أن الجولاني لن يكون قادر على نقل الأزمة إلى خارج منطقة نفوذه، وبالتالي تسهل عملية ضبط سلوكه ضمن مناطق نفوذه.