جسم تنظيمي للحراك بعد عام من احتجاجات السويداء
سعى النظام السوري منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية في محافظة السويداء في أغسطس 2023 لإيقاف التظاهرات السلمية بشتى الوسائل، كإطلاق قوات النظام النار على المتظاهرين، الأمر الذي أودى بحياة الشاب جواد الباروكي أمام مركز التسويات في صالة 7 نسيان في شباط/ فبراير الماضي، فضلاً عن حملات اعتقال طالت العديد من الناشطين والطلاب الجامعيين في دمشق وباقي المحافظات بسبب مواقفهم الداعمة لحراك السويداء.
ترهيب واعتقالات
اعتقلت أجهزة النظام العديد من شبان وشابات السويداء خارج المحافظة بسبب مواقهم الداعمة للحراك السلمي؛ ففي مطلع العام الحالي اعتقلت الأجهزة الأمنية الشاب داني عبيد واقتادته من داخل السكن الجامعي في مدينة اللاذقية بسبب منشور له على “فيسبوك”، واستمرت مدة اعتقاله نحو75 يوماً. وعلى الرغم من توجه عائلته إلى النظام القانوني في مسعى للإفراج عنه، فإن النظام تجاهل الأمر، دافعاً بذلك الفصائل المحلية في السويداء إلى احتجاز عدد من ضباطه وعناصره، من أجل الضغط والإسراع في الإفراج عنه، وهو تدبير نجح في إطلاق سراحه بعد يومين فقط من احتجاز عناصر النظام.
حادثة الاحتجاز دفعت النظام لاستقدام تعزيزات عسكرية إلى السويداء في مطلع آذار/ مارس الماضي، شملت أسلحة ثقيلة ومتوسطة وحافلات ضمت مئات العناصر، واستمر النظام بإرسال التعزيزات بشكل مكثف، وقد ذكرت بعض المصادر المحلية أن هذه التعزيزات استقرت في فرع الأمن العسكري والفوج 44 ومبنى أمن الدولة وفي مطار الثعلة العسكري، ومن ثم بدأ النظام بإقامة حاجز أمني عند المدخل الشمالي لمدينة السويداء لفرض الأمن والاستقرار في المحافظة بحسب ما صرحت به وسائل إعلامية مقربة من السلطة.
يقول الناشط السياسي مروان حمزة: إن استقدام التعزيزات لمحافظة سلمية ما هو إلا وسيلة من وسائل الأجهزة الأمنية لإعادة السيطرة على السويداء وإيقاف الاحتجاجات السلمية، مضيفاً أن القصة بدأت عندما أقدم النظام على استخدام وسائله المعتادة من خلال نشر الفوضى ودعم العصابات التي تمتهن الخطف والقتل والسرقة، بهدف خلط الأوراق وإيصال رسالة للمجتمع الدولي بأن المظاهرات الحالية تقف خلفها مجموعة من الخارجين عن القانون، وبذلك تصبح لديه ذريعة للدخول إلى السويداء عسكرياً واعتقال الناشطين والمعارضين، واستخدام الأسلوب الأمني في عمليات التصفية والقتل في المحافظة؛ لكن وعي أهالي السويداء التام بما قد يفعله من استجرار المحافظة إلى الاقتتال العسكري، جعل المتظاهرين يؤكدون تكراراً سلمية تحركاتهم، واستمرارها حتى تحقيق جميع المطالب المحقة التي ينادي بها الشعب السوري، والمتمثلة برحيل النظام والانتقال الآمن للسلطة بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن 2254.
النظام يكشر عن أنيابه
مع بداية شهر أيار/ مايو الفائت أقدم النظام على تعيين اللواء أكرم محمد محافظاً جديداً للسويداء، وهو ذو خلفية أمنية وكان قد شغل منصب رئيس فرع امن الدولة في حلب وعُرف عنه وحشيته في قمع المتظاهرين في حلب أثناء اندلاع الثورة السورية في سنة 2011. وقد تزامن هذا الإجراء مع استقدام التعزيزات الأمنية للسويداء، الأمر الذي أثار الشك لدى أهالي السويداء على نية النظام باستخدام الحل الأمني في المحافظة.
الصحفي حمزة المختار، شرح لموقع “التقرير العربي” خلفيات وأساليب النظام، وقال: يبدو من الواضح أن الحل الأمني يطرق باب السويداء من خلال العديد من المعطيات التي باتت تؤكد نية النظام في استخدام العنف بعد أن استخدم أساليب الترغيب وحاول جر الفاعلين في الحراك المدني إلى صفه وإعطائهم مكاسب شخصية على حساب إيقاف الحراك، وقد فشل في ذلك؛ ثم استعان برجال الدين وبعض الوجهاء الاجتماعيين المحسوبين عليه للضغط على المتظاهرين والمحتجين وأهاليهم ولكنه أيضاً لم ينجح أيضاً.
وأضاف المختار أنه في الشهر الخامس من انتفاضة السويداء، غير النظام تكتيكاته وبدأ باستخدام القوة الناعمة والضغط على أهالي المحافظة عبر اعتقال شبان وشابات من السويداء في دمشق وباقي المحافظات الأخرى، من دون أن يكون في حقهم أحكام قضائية أو جنائية أو مذكرات بحث، في دلالة واضحة على أن النظام يحاول التضييق على أهالي السويداء لإيقاف الحراك.
وتابع قائلاً، إن الفصائل المحلية التقطت الإشارة وعمدت إلى باستراتيجية ردع من خلال احتجاز ضباط مقابل الإفراج عن المعتقلين، الأمر الذي أحرج النظام في أكثر من مناسبة، ودفعه إلى لتصعيد أكثر، من خلال إنشاء الحواجز على جميع مداخل المدينة، وافتعال الأحداث والادعاءات، مثل قتل أحد عناصر تنظيم “داعش”، وسلسلة من الجرائم وعمليات الخطف والخطف المضاد عبر عصاباته وأزلامه في المحافظة.
في المقابل، صعّد المتظاهرون في السويداء من وتيرة الاحتجاجات وبدأت الأعداد تتزايد في نقاط الاحتجاج في تحد واضح للنظام وأجهزته، وتجلى ذلك بمحاولة منع إجراء انتخابات مجلس الشعب (البرلمان السوري)، عبر تنظيم مظاهرة جالت شوارع المدينة للتأكيد على رفض هذه العملية الانتخابية، معتبرين أنها لا تمثل الشعب السوري، وبات الأمر عند قاب قوسين أو أدنى من منع إجراء العملية الانتخابية في السويداء، فدفع النظام شرطة المحافظة إلى فتح النار على المتظاهرين عند وصولهم إلى المركز الرئيسي للانتخابات، ما أسفر عن إصابة مواطن بثلاث رصاصات وتفريق جموع المتظاهرين.
تنظيم الحراك السلمي
بعد سلسلة الأحداث الأمنية التي افتعلها النظام في الآونة الاخيرة لإيقاف حراك السويداء المستمر منذ ما يقارب العام، جاء الرد عليها من أهالي المحافظة عبر تشكيل جسم سياسي لقيادة المرحلة القادمة، من خلال إجراء عملية انتخابية نتجت عنها هيئة سياسية للحراك الشعبي، حيث تم الإعلان عنه في دارة الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي لطائفة الموحدين في بلدة قنوات. وتأتي هذه الخطوة بهدف بناء جسم تنظيمي يمثل المحافظة سياسياً سواء على الصعيد الداخلي أو من خلال الاتصالات الخارجية للمحافظة، بالتزامن مع استمرار الحراك السلمي في السويداء منذ ما يقارب العام.