جدوى ورقة المحتجزين بعد مجزرة النصيرات

تسعى هذه العُجالة إلى طرح سؤال جدوى ورقة المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة، بعد المجزرة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في مخيم النصيرات في محافظة الوسطى في القطاع؟

بعض التفاصيل

نفذت قوة خاصة إسرائيلية عملية مفاجئة في مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة، صبيحة السبت ٨ حزيران/ يونيو، لتحرير عدد من الأسرى لدى المقاومة في غزة ممن أسرتهم في 7 تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠٢٣.

العملية التي انطلقت بدخول شاحنة مساعدات تم كشفها لاحقاً، تخللها قصف مدفعي وجوي وبحري على طول الشريط الساحلي للمنطقة الوسطى، مع تركز انتشار في الجهة الشمالية للمخيم وتقدم لآليات الجيش في عدة محاور بالإضافة لإطلاق نار من طائرات الكواد كابتر باتجاه أي جسم متحرك في شوارع المخيم.

وفي محاولة لسحب القوة التي جرى كشفها وسط المخيم، قصف الطيران الإسرائيلي السوق في ساعة ذروة، الممتلئ بالنازحين من الشمال والجنوب، متسبباً بمجزرة راح ضحيتها 274 شهيداً حتى كتابة هذه الورقة، وأكثر من 700 جريح.

متغيرات سياسية

تأتي العملية في ظل متغيرات سياسية في مقدمتها ترقب مصير مقترح لوقف إطلاق النار غير واضح المعالم، طرحه الرئيس الأميركي جو بايدن، وسط شكوك بشأن استئناف العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي في غزة بعد تنفيذ مرحلة إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، وخصوصاً في ظل التصريحات المستمرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وتأكيده استمرار محاولات استعادة المحتجزين بجميع الطرق، إن كان قبل أو بعد العملية، وهو ما أدلى به أيضاً المتحدث العسكري دانيال هغاري مرات عديدة.

وفي حديث لنتنياهو في اليوم التالي للعملية، قال بصريح العبارة: “حماس تشترط وقف الحرب ضمن صفقة التبادل وانا لا أوافق على ذلك ولن أوافق.”

ليست الأولى

العملية التي لا تزال تتكشف تفاصيلها لم تكن الأولى في قطاع غزة أو المنطقة الوسطى، فقبل أشهر تعرضت المناطق الشمالية لمخيم النصيرات لعمليات قصف واستهداف عنيفة تخللها أيضاً اشتباكات وعملية اقتحام حاول خلالها الجيش الإسرائيلي استعادة بعض المحتجزين، الأمر الذي تسبب بدمار كبير في المنطقة ومقتل أحد المحتجزين الإسرائيليين.

وهي أيضاً ليست الأخيرة حتى وإن كان ثمنها قتل المحتجزين، وهو ما برهنه الجانب الإسرائيلي طيلة فترة العدوان على غزة بتعمد استهداف كل شيء حتى وإن كان تواجد محتجزين في بعض الأماكن مؤكداً، بل وجرى عدة مرات استهداف متعمد للمحتجزين، لطالما برره الجيش بالخطأ غير المقصود.

في هذا السياق أوضح نتنياهو في تصريح في 9 حزيران/ يونيو، أن “قضية الأسرى مهمة جداً لكن علينا العمل لضمان مستقبل إسرائيل” في مفاضلة واضحة لمصلحة ما يعتبره مستقبل مشروع “الدولة”.

يوم التنفيذ

بالعودة إلى الميدان، في اليوم السابق للعملية، استهدف الجيش بالفعل طرق ومحاور التوغل البري السابقة في الجهة الجنوبية الشرقية لمخيم النصيرات في منطقة شارع صلاح الدين مع إطلاق قنابل إنارة، في مناورة أثارت الشكوك لدى المواطنين بمحاولة دخول بري جديدة للمخيم، وخصوصاً بعد إعلان أسماه الاحتلال عن “عملية دقيقة” في مخيم البريج المجاور.

في اليوم التالي، أي يوم العملية، تقدمت آليات جيش الاحتلال باتجاه شارع صلاح الدين قبالة “مخيم ٢” الكائن جنوبي النصيرات، فاصلة بذلك النصيرات عن البريج ومانعة أي محاولة للدخول أو الخروج، مع استهداف مكثف لمناطق في “مخيم ٢”.

لم يتوقف التحرك المفاجئ عند هذا الحد، بل رافق توقيت العملية تحركات في مناطق بدير البلح وقصف عنيف في محيط مستشفى “شهداء الأقصى” وهو الوحيد الذي يقدم الخدمات الطبية للمنطقة الوسطى، مع تهديد مباشر عبر الهاتف بالاستعداد لقصف خيام في ساحة المستشفى، وهو ما لم يحدث خلال تلك العملية.

يد أميركية

ما جرى لم يكن بمعزل عن موافقة الإدارة الأميركية التي رحب رئيسها جو بايدن خلال لقائه بنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بما أسماه “الإنقاذ الآمن” للمحتجزين الأربعة متجاهلاً الضحايا من الفلسطينيين الذين تجاوزوا ٢٧٤ شهيداً خلال العملية، وأضاف “لن نتوقف عن العمل حتى يعود جميع الرهائن إلى ديارهم.”

موقف بايدن ليس وحيداً، إذ صرح مسؤولون أميركيون لصحيفة “نيويورك تايمز” بأن فريقاً من المسؤولين عن استعادة المحتجزين الأميركيين متواجد في “إسرائيل” ساعد الجيش الإسرائيلي في جهود إنقاذ المحتجزين من خلال توفير المعلومات الاستخبارية وغيرها من الدعم اللوجستي، وهذه المساعدة والدعم مصرح به منذ بداية العدوان.

التصريحات عن الدعم في عملية تحرير المحتجزين تُحيل إلى السؤال عن ماهية دور الرصيف الأميركي العائم على شاطئ بحر غزة، والذي يجري تصدير صورته بكونه ممر للمساعدات الإنسانية، مع العلم أنه منذ بدء عودته للعمل بعد تلفه كانت هذه المشاركة عبر مرور شاحنات المساعدات الإنسانية من جهة الميناء، ما يُثير تساؤلاً بشأن مصير هذا الرصيف ودوره الحقيقي، وكذلك تُحيل إلى سؤال جدوى المفاوضات التي تم فريغها من مضمونها، واستخدمت لكسب الوقت لاستكمال حرب الإبادة في غزة.

جدوى ورقة المحتجزين

بعد مجزرة النصيرات والسيناريوهات المنتظرة أو السابقة في عمليات تتعلق بالمحتجزين أو مجرى المفاوضات، هل باتت ورقة المحتجزين مجدية بالفعل لاستخدامها في ظل عدم اكتراث الجانب الإسرائيلي بمصيرهم ودفع أثمان كبيرة من الفلسطينيين مقابل هذه الورقة؟ وهل تبدو المفاوضات بحد ذاتها مجدية وستؤدي إلى أي طريق كان؟

هذا ما ستجيب عنه الوقائع على الأرض خلال الأيام القادمة، وما ستقدم عليه المقاومة وليس الجانب الإسرائيلي، لأن الأخير باتت خطته واضحة ولا لبس فيها.

هذا التوجه بدأته المقاومة بالفعل، إذ أعلنت “كتائب القسام” في رسالة موجهة لأهالي الأسرى الإسرائيليين أن: “جيشكم قتل ٣ أسرى في مخيم النصيرات أحدهم يحمل الجنسية الأميركية”، في محاولة للضغط مجدداً على الحكومة الإسرائيلية من خلال أهالي المحتجزين.

المعطيات السابقة تُحيل إلى عدة سيناريوهات:

  • أن تستمر المقاومة في غزة على نفس النسق بالتعاطي مع قضية الأسرى في محاولات الضغط من خلال عائلاتهم، وفي بعض الأوقات تكرر سيناريو الإعلان عن انقطاع الاتصال مع المجموعات الآسرة لتجعل هذا الملف على حافة الهاوية بالنسبة للأطراف الأخرى.
  • أن تواصل المقاومة عملياتها واشتباكاتها على الأرض، لتشمل أيضاً استهداف الرصيف البحري الأميركي بعد الإعلان المباشر للمشاركة الأميركية في عملية النصيرات، علماً بأن “كتائب الشهيد أبو علي مصطفى”، الذراع العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أعلنت عن استهداف الرصيف في 8 حزيران/ يونيو، ما يشكل ورقة إضافية لإسناد ملف الأسرى. ويبدو أن هذا القصف، مرفقاً بقناعة لدى جهات كثيرة بأن الرصيف استخدم في العملية العسكرية، دفع مديرة برنامج الأغذية العالمي سيندي ماكين، في 10 حزيران/ يونيو، إلى الإعلان عن وقف إيصال المساعدات إلى غزة عبر الرصيف الأميركي “بسبب مخاوف أمنية.”
  • أن تحدث متغيرات دراماتيكية إسرائيلياً، انطلاقاً من استقالة عضو مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس الذي يقود حزب “معسكر الدولة”، والذي دعا خلال إعلان استقالته، إلى إبرام صفقة تبادل الأسرى، وأكد أن ليس كل الأسرى يمكن أن يعودوا بعملية عسكرية، ومن بعده رسالة انسحاب الوزير غادي آيزنكوت من حكومة الطوارئ، وفيما بعد الوزير حيلي تروبير. وتعليق رئيس المعارضة الإسرائيلي يائير لابيد الذي رحب باستقالة وزراء “معسكر الدولة”، ورأى أنه حان الوقت لاستبدال الحكومة المتطرفة بأخرى عاقلة تعيد الأمن للمواطنين. كل ذلك يعني أن الحديث عن استخدام المقاومة للضغط من خلال الخلافات بين الأطراف السياسية الإسرائيلية، بات الآن ممكناً وجاداً.
  • أن يستغل المتطرفون في حكومة نتنياهو، هذه المتغيرات للسيطرة على قرارات الحكومة مع غياب غانتس كعنصر توازن، الأمر الذي يعني مواصلة التصعيد أكثر في العدوان على غزة أو توسيعه في جبهة الشمال مع لبنان.