اللاجئون الفلسطينيون في لبنان تهميش محلي وقصور فصائلي وتخلٍ دولي

في تشرين الأول / أكتوبر 2015، شيّع مخيم البداوي (شمال لبنان) المهندسة الشابة ريهام المغربي (24 عاماً) التي قضت غرقاً في المياه الإقليمية التركية لدى محاولتها وشقيقها محمد (22 عاماً) الهجرة إلى أوروبا عبر “مراكب الموت” .
اعتباراً من 24 تشرين الثاني / نوفمبر 2015، أصبحت وثائق سفر اللاجئين الفلسطينيين في لبنان غير صالحة للسفر عبر المطارات، مع بدء العمل بقرار منظمة الطيران المدني الدولية “إيكاو” الذي ينص على إلزام كل الدول الأعضاء ومنها لبنان، وقف العمل بالجوازات ووثائق السفر اليدوية غير المقروءة إلكترونياً، علماً بأن وثائق سفر اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، كانت حتى صدور العدد 106 من مجلة الدراسات الفلسطينية، لا تزال تكتب بخط اليد، الأمر الذي جعل من هم خارج لبنان يجانبون السفر ويأثرون البقاء حيث هم، ومن هم في لبنان باتوا غير قادرين على السفر إلى الخارج للدراسة أو العمل، وهو أمر لم يخفف من وطأته إعلان وزارة الداخلية اللبنانية عن قرار من الوزير نهاد المشنوق بقرب إصدار وثائق سفر موقتة مقروءة إلكترونياً، فلا ثقة بما يصدر من إعلانات، إذ إنه جرى أكثر من مرّة في السنوات الأخيرة الحديث عن النيّة بإصدار بطاقات هوية ممغنطة بدل بطاقات التعريف الكرتونية كبيرة الحجم، وبإبدال وثائق السفر البنية اللون بأخرى ممكنكة، لكن لا شيء من هذا أو ذلك تحقق.
في كانون الثاني / يناير 2016، أقدم الشاب عمر محمد خضير (18 عاماً) على إحراق نفسه أمام عيادة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا) في مخيم البرج الشمالي (صور ـ جنوب لبنان) بعدما أوقفت الوكالة علاجه من مرض التلاسيميا، علماً بأن وضع عائلته المادي يحول دون قدرتها على تأمين علاجه.
القصص آنفة الذكر، عيّنات عمّا يعانيه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان من مصاعب تقودهم إلى طلب الموت حين يكون أرحم من حياة فيها موت في كل لحظة.
ففي ظل “تسونامي” الهجرة والتهجير القصري، هذه، جراء الحروب: في سوريا والعراق وأفغانستان وهرباً من شظف العيش في أفريقيا، بات اللاجئون الفلسطينيون غير مرئيين بنظر العالم؛ يعانون بصمت… ويموتون بصمت!!

تقليصات الأونروا.. تخلٍ دولي عن اللاجئين الفلسطينيين نحو فرض التوطين أو التهجير

حتى كتابة هذه السطور كانت مخيمات لبنان تغلي وتتفاعل عبر حراك يومي يراوح بين اعتصامات وتظاهرات ومذكرات احتجاج على التقليصات أمام مراكز الأونروا في المخيمات، أو في بيروت أمام المركز الرئيسي للمنظمة الدولية المفروض أنها موكلة بإغاثة اللاجئين وتشغيلهم.
فالأونروا تأسست كوكالة تابعة للأمم المتحدة بقرار من الجمعية العامة في سنة 1949، وتقتضي مهمتها بتقديم المساعدة للاجئي فلسطين في الأردن وسورية ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة في مجالات “التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي والإقراض الصغير والاستجابة الطارئة بما في ذلك في أوقات النزاع المسلح.”
وفيما شهدت الأيام الأولى للتحركات الشعبية في إثر حادثة الشاب عمر محمد خضير، في كانون الثاني / يناير، تعديات على مقرات للأونروا في بعض المخيمات، و”أغلق ممثلون عن الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية أبواب المقر الرئيسي لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في بيروت، ومنعوا دخول وخروج الموظفين والآليات منه، في خطوة هي الأولى منذ بدء الاحتجاج الشعبي رفضا لقرار الوكالة تقليص خدماتها،” فإن الإجماع الفصائلي والمدني الفلسطيني على الطابع السلمي، طغى لاحقاً، وبات تحركاً سلمياً شبه يومي في المخيمات، واعتصاماً دائماً أمام مقر الوكالة الدولية في بيروت.
وقد عُقد اجتماع في 4 شباط / فبراير 2016 بين الفصائل ورئيس لجنة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني الوزير السابق حسن منيمنة في مقر الحكومة اللبنانية (السراي) في بيروت، تمت خلاله مناقشة مسألة التقليصات والتحركات الشعبية الرافضة له، “وأبلغ الوزير منيمنة، أن الدولة اللبنانية ستقوم بما يتوجب عليها من اتصالات سياسية لحث إدارة ‘الأونروا’ على تحسن خدماتها والمجتمع الدولي على زيادة مساهماته المالية لسد العجز المتراكم”، مشيراً إلى أن “الاتصالات التي سبق وقام بها مع المفوض العام بيير كراهنبول والمدير العام في بيروت ماتياس شمالي”، فيما “تناوب قادة الفصائل على شرح معاناة اللاجئين الفلسطينيين في المجال الصحي، وعجزهم عن تحمل الجزء المطلوب من نفقاتهم العلاجية بفعل ارتفاع نسبة البطالة وإنهيار الاوضاع المعيشية وتأخر إنجاز إعمار مخيم نهر البارد، محذرين في الوقت نفسه من ‘سياسة التمادي في تقليص الخدمات التي تقدم عليها الوكالة’، متخوفين من ‘سياسة متدرجة تهدف الى تنصل المجتمع الدولي من مسؤولياته، وإلقاء العبء على الدول المضيفة، ومن بينها لبنان بطبيعة الحال'”. واستغرب المتحدثون أن “تتم هذه الإجراءات في لبنان دون سواه من الدول المضيفة، ما يؤشر إلى نوايا سياسية مبيتة تتلطى وراء العجز في الموازنة”. وطالبوا الوكالة بـ”السعي مع الدول المانحة لزيادة موازنة الصحة بدل خفضها، بالنظر إلى الزيادة السكانية الطبيعية وتنامي الحاجات الصحية وسط ارتفاع كلفة الفاتورة الصحية”. وأكد مسؤولو الفصائل دورهم في “الحفاظ على الطابع السلمي للتحركات ورفض المس بالمؤسسات التي تديرها الوكالة سواء أكانت صحية أو تعليمية وخدماتية”، وتمنوا على “رئيس الحكومة تمام سلام والحكومة اللبنانية الضغط على الأونروا لتجميد قرارها وبذل المساعي مع الدول المانحة لزيادة مخصصاتها.”
على أن مسألة تقليص المساعدات التي تقدمها الأونروا ليست وليدة اللحظة، بل هي سلسلة متواترة من التخلي عن المسؤولية الدولية تجاه الفلسطينينيين، إذ إن المساعدات والخدمات التي كانت عند إنشاء الوكالة الدولية بقرار من الأمم المتحدة، وهي عبارة عن مساعدات غذائية لكل عائلات اللاجئين، ووجبات يومية في المدارس، وعلاج بشكل كامل لهم في عياداتها والمستشفيات المتعاقدة معها، فضلاً عن التعليم المجاني الذي يتضمن القرطاسية والكتب في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، والثانوية في فترة لاحقة؛ هذه التقديمات تقلصت تدريجياً فباتت المساعدات العينية للحالات الأكثر احتياجاً، حتى أن الأمر وصل إلى احتمال إقفال المدارس.
فخلال اجتماع اللجنة الاستشارية لوكالة “الأونروا” الذي عقد في أوائل حزيران / يونيو 2015 في عمّان، أعلن المفوض العام بيار كرينبول “احتمال توقف الوكالة عن تقديم خدماتها نهائياً” في ايلول / سبتمبر 2015، “في حال استمرار أوضاعها المالية على ما هي عليه من تدهور”، معلناً أن عجزها المالي يبلغ “101 مليون دولار” حتى نهاية 2015، “بفعل نقص التمويل من الدول المانحة، ما يعني تالياً وقف تقديماتها وخدماتها للاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان والنازحين إليه من سورية.”
وفي سياق متصل بهذا الشأن قال الناطق الإعلامي للأونروا في الأراضي الفلسطينية سامي مشعشع في تصريح في 28 / 7 / 2015، إنه “في حال لم تتخذ الدول المانحة قراراً بسد عجز وكالة الغوث والبالغ 101 مليون دولار فإن الوكالة ستغلق مدارس ومراكز التدريب المهني.”
لكن تبرع سعودي بقيمة 35 مليون دولار، وكويتي بقيمة 15 مليون دولار، أنقذا العام الدراسي 2015 ـ 2016 في المناطق التي تغطيها الأونروا في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسورية ولبنان. وعلى الرغم من ذلك، فإن التبرعين السعودي والكويتي حلّا مشكلة راهنة ولم يقدما حلاً على المدى الطويل.
وتبرر الأونروا الخفض المتواتر لخدماتها بأن هناك “طلباً متزايداً على خدماتها بسبب زيادة عدد لاجئي فلسطين المسجلين ودرجة هشاشة الأوضاع التي يعيشونها وفقرهم المتفاقم. ويتم تمويل الأونروا بشكل كامل تقريباً من خلال التبرعات الطوعية فيما لم يقم الدعم المالي بمواكبة مستوى النمو في الاحتياجات. ونتيجة لذلك فإن الموازنة البرامجية للأونروا، والتي تعمل على دعم تقديم الخدمات الرئيسة، تعاني من عجز كبير يتوقع أن يصل في عام 2016 إلى 81 مليون دولار. أما برامج الأونروا الطارئة والمشروعات الرئيسة، والتي تعاني أيضاً من عجز كبير، فيتم تمويلها عبر بوابات تمويل منفصلة.”
وهذا العجز دفع الأونروا إلى الإعلان عن “تعديلات على سياسة الإستشفاء”، وفق مكتب الوكالة الدولية في لبنان، “تبدأ مع مطلع العام 2016″، و”تؤدي إلى زيادة حجم التقليصات، وتعديل الاستشفاء ضمن التغطية الصحية من المستوى الثاني إلى نسبة 95% في المستشفيات التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، و85% في المستشفيات الحكومية، و80% في المستشفيات الخاصة. ويؤكد أن نسبة التغطية ارتفعت من 50% إلى 60% مع سقف يصل إلى 5 آلاف دولار لكل مداخلة طبية، وكذلك ارتفعت التعرفة اليومية للتغطية من المستوى الثالث إلى 416 دولار أميركي لمدة تصل إلى 12 يوماً، ومع سقف بنسبة 5 آلاف دولار.”
وتُجمع الفصائل وهيئات المجتمع المدني الفلسطينية، على أن الأمر ليس مسألة عجز مالي تعاني منه واقعياً الأونروا، إنما قرار سياسي بلبوس مالي يبدو أن الدول المانحة اتخذته بهدف تصفية قضية اللاجئين، والضغط على الدول المضيفة لتولي مهام الإغاثة والمساعدات، كمقدمة لتوطين اللاجئين في هذه الدول.
وبناء عليه، أكدت “‘خلية أزمة الأونروا’ المنبثقة عن الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية في لبنان، أنه لا مساومة مع وكالة الأونروا على مطالب الشعب الفلسطيني المحقة، وأن التحركات الاحتجاجية مستمرة ومتصاعدة حتى تتراجع عن قرارات تقليص خدماتها وآخرها الصحية، داعية الدولة اللبنانية لدعم مطالبنا المحقة بمواجهة قرارات وإجراءات وكالة الأونروا الظالمة والمجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته كاملة تجاه قضية اللاجئين.”

الهجرة مطلب تحت وطأة غياب الحقوق وتقليص الخدمات والأزمة السياسية الفلسطينية:

لطالما كانت الهجرة مكروهة لدى الفلسطينيين، وعندما هاجر كثيرون منهم بعد سنة 1976 عقب مجزرة تل الزعتر وتدمير المخيم وكذلك التدمير الجزئي لمخيم ضبية وتهجير معظم سكانه من اللاجئين، ثم بعد مجزرة صبرا وشاتيلا في 1982، فإن هذه الهجرة كانت تتم بسبب الظروف القاهرة في حينه، وكان الناس يهاجرون بصمت. لكن في سنة 2014، برزت تحركات شبابية علانية تحت عنوان “الحق في الهجرة”، تدعو إلى فتح الأبواب في أوروبا وبلدان أميركا وأستراليا للاجئين الفلسطينيين في لبنان، لكي يتمكنوا من العيش حياة كريمة يفتقدونها في لبنان.
بدأت الدعوة إلى “حق الهجرة” عبر تعليق (Post) لشاب فلسطيني على “فايسبوك” تناقله عدد كبير من الشبان والشابات، لتظهر بعده مجموعة تطلق على نفسها “حملة حق الهجرة” وتنظم تظاهرات واعتصامات داخل المخيمات.
في مقالة لي نشرتها مجلة “جدل” الصادرة عن مؤسسة “مدى الكرمل” ضمن ملف عن الشباب الفلسطيني، عنوانها “الحراكات الشبابية الفلسطينية في لبنان بين ‘العودة’ و ‘تحسين مستوى المعيشة'”، أجابني شاب يدعى علي (وهو اسم غير حقيقي) أنه “باتت الحياة مستحيلة مع كل القيود الاقتصادية والاجتماعية والقانونية المفروضة، وبعدما تخلت كل الفصائل عملياً عن حق العودة، وتركت اللاجئين إلى مصيرهم، وفشلت حتى في تأمين الحد الأدنى من الحقوق لهم في لبنان.”
فاللاجئون الفلسطينيون في لبنان، يعانون منذ أن قدموا إلى لبنان في إثر نكبة 1948، من التهميش والإقصاء الاقتصادي والسياسي وحتى الاجتماعي. وفيما كان نصفهم يعيش في المخيمات والنصف الآخر خارجها، بات معظمهم يعيش الآن داخل المخيمات التي باتت مكتظة، خصوصاً بعد حرب المخيمات وتهديدهم أمنياً، وبعدما منعوا من التملك بموجب تعديل قانون التملك للأجانب لسنة 2001، علماً أنهم ممنوعون من العمل في الكثير من المهن، على الرغم من تعديل قانوني العمل والضمان الاجتماعي لسنة 2010، الذي اتاح لهم جزئياً الحق بالعمل بموجب إجازة عمل (مجانية). فما أتاحه لهم هذا التعديل لا يتجاوز كثيراً ما كان متاحاً لهم قبله، أي العمل في الأعمال الشاقة وغير المحبذ شغلها من قبل اللبنانيين، أو العمل في مهن ووظائف محصورة باللبنانيين، عبر التحايل على القوانين والعمل من دون إجازة عمل وبمرتب لا يتجاوز كثيراً الحد الأدنى للأجور في لبنان.
أما قانونياً، فقد غاب التعريف الواضح للفلسطينيين في القانون اللبناني، فهم يعتبرون أجانب بموجب القرار رقم 319 لسنة 1962، وكرس وضعهم هذا تعديل قانون العمل الرقم 129 بتاريخ 17/7/2010. ويعتبرون، كون وثائقهم تصدر عن مديرية الشؤون السياسية واللاجئين فئة خاصة من اللاجئين لا تنطبق عليهم مواصفات اللاجئين المنصوص عليها في اتفاقية اللاجئين لسنة 1951. ووصف القانون رقم 296 لسنة 2001، الذي عَدّل القانون المنفذ بالمرسوم رقم 11614 تاريخ 4 كانون الثاني 1969 (اكتساب غير اللبنانيين الحقوق العينية العقارية في لبنان)، اللاجئ الفلسطيني بأنه “لا يحمل جنسية صادرة عن دولة معترف بها”، وبالتالي وضع له فئة جديدة لا هي “مكتومي القيد” ولا حتى “فاقدي الأوراق الثبوتية”.
يجد اللاجئ الفلسطيني نفسه بين فكي تضييقين، اجتماعي وسياسي: أحدهما وأكثرهما تأثيراً ناتج عن القوانين التمييزية اللبنانية التي تضعه دائماً تحت فزّاعة التوطين التي تعتبر حقه بالسكن أو بالعمل أو بالحياة الكريمة توطيناً، ينص الدستور اللبناني على رفضه. ويؤازر هذا التضييق حملات إعلامية متواصلة تكاد لا تنقطع تُصوّر المخيمات على أنها بؤر إرهاب وجريمة وإدمان واتجار بالمخدرات، وتآمر على الداخل والجوار؛ الثاني والذي يزيد طين التهميش والتمييز بلّة، هو الفوضى السياسية الفلسطينية الناجمة من فشل مشروع الحل المتمثل باتفاق أوسلو ومشروع المقاومة المسلحة، وأقسى مظاهر الفشلين: الانقسام العمودي والمناطقي بين مشروعي “فتح” و”حماس” وعدم فاعلية الفصائل الأخرى في كلا المشروعيين، وبالتالي فشل هؤلاء في متابعة القضايا المعيشية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، بل استغلال حالة الاستضعاف للاجئين لاستقطابهم عبر تقديم مساعدات مالية أو “التفريغ” بمرتبات لا تكاد تكفي الحد الأدنى من متطلباتهم الأساسية.
اجتمعت العوامل “الإقصائية” و”التهميشية” اللبنانية، و”الاستغلالية / الاستقطابية” الفصائلية الفلسطينية، ودفعت اللاجئين واللاجئات الفلسطينيات الى ركوب مخاطر البحر في “مراكب الموت” نحو حياة أقل سوءاً في الغرب، في سياق درب جلجلة “الدياسبورا السورية”. وفي حديث لي مع عدد من الشابات والشبان الناشطين في المخيمات، علمت أن عدداً لا يستهان به من الشابات والشبان الفلسطينيون يهاجرون بعدما يجمعون ما استطاعوا من مال، حتى بات سكان المخيمات بمعظمهم من الأطفال والمراهقين والكهول.
وربما كانت الصورة المأسوية لهذه الهجرة، موت المهندسة الشابة ريهام المغربي (24 عاماً) غرقاً في المياه الإقليمية التركية، كما أسلفنا في مستهل هذا التقرير. وأبلغتني ناشطة ميدانية في منطقة صور، أن شابة كانت تعمل لدى منظمة غير حكومية، جمعت مبلغاً من المال ودفعته لسماسرة الهجرة والاتجار بالبشر، كي تصل إلى ألمانيا، لكنها قضت شهوراً قبل أن تصل إلى اليونان وتصاب هناك بمرض وهزال جراء ما تعرضت له من برد شديد وإرهاق عبر السفر بحراً وعلى الأقدام براً، وهي كانت تسعى للعودة إلى منزل ذويها في منطقة صور، لكنها لم تتمكن ـ حتى نشر هذا التقرير ـ بسبب عدم قدرة العائلة على تأمين تكلفة إعادتها.
إن مخاطر “التهميش” و”الإقصاء” و”الاستغلال / الاستقطاب”، والتقليصات الأخيرة للأونروا التي يراها الكثيرون إعلان تخلٍ دولي عن المسؤوليات تجاه اللاجئين الفلسطينيين، كلها عوامل تدفع اللاجئين الفلسطينيين إلى اليأس، ومن اليأس تأتي محاولات الهجرة الخطرة التي أشرنا إليها، أو أن يكون هؤلاء عرضة لاستغلال حالة الاستضعاف المركزة هذه، من قبل منظمات إجرامية أو متطرفة.