تنافس في انتخابات الجزائر لكن الترجيح لتبون

يبدو سباق الانتخابات الرئاسية الجزائرية، وكأنه يكشف عن واقع صعب ومعقد، تؤطره وقائع وملابسات واحتمالات، وجملة من النتائج المتوقعة، والتي لن تكون سهلة؛ فالأحداث تكشف عن طبقة خفية يعتمل أسفلها الحراك السياسي بشكل يتخطى التنافس الظاهري بين المرشحين الثلاثة نحو قصر المرادية الرئاسي، أو بين الرئيس عبد المجيد تبون وعبد العالي حساني شريف، مرشح حركة مجتمع السلم “حمس”، المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين.

ويمكن القول إن نمط الحكم الجزائري الذي ما زال بتكوينه وارتباطاته ومصالحه متصلاً بالميراث السياسي والتاريخي الممتد لفترة ستينات القرن الماضي، يعاني من تبعات أزمات اقتصادية واجتماعية عديدة تسببت في تآكل شرائحه المجتمعية وانحسار وجودها كحاضنة أو حامل سياسي لأجندة عمل هذا النسق في مؤسسات السلطة، الأمر الذي يدفع إلى مراجعة تغيير نموذج السياسات الاقتصادية، وتفكيك بعض الارتكازات التي يقوم عليها، حتى يتم الانتهاء من “حتمية” المسار المتدهور الذي يصل له الوضع الاقتصادي، على حد تعبير صندق النقد الدولي.

اقتصاد هش

وقد سبق لصندوق النقد الدولي، في تقرير سابق، أن قال: “قد يكون النمو إيجابياً في قطاع المواد غير الهيدروكربونية، بيد أنه لم يتجاوز 2,2% في سنة 2017، ويبدو أنه وصل إلى ذروته عندما بلغ 4% في سنة 2018، ليسجل معدل نمو إجمالي الناتج المحلي مستوى أدنى نتيجة التراجع في إنتاج المواد الهيدروكربونية. وبلغ متوسّط هذا النمو 3,5% بين سنتي 2001 و2017، ثم بلغ أدنى مستوياته في الربع الأخير من 2017، عندما سجّل نسبة سلبية هي – 0,4%، قبل أن يرتفع مجدداً إلى 1,2% في الربع الأخير من سنة 2018.”

وتابع التقرير لافتاً إلى “ارتفاع البطالة على نحو مطرد. ففي أيلول/ سبتمبر 2017، قدرت نسبة البطالة بـ11,7%، مقارنةً بـ 10,5% في الفترة نفسها من العام السابق. وتطال البطالة الشباب بصورة خاصة، مع بلوغها لدى الفئة العمرية 15 – 24 عاماً نسبة 28,3% عند الذكور و20,7% عند الإناث”. هذه الأعراض البنيوية التي تشكل ملامح رئيسية في اقتصاد الجزائر الهش هيكلياً، تسببت في ضعف الحكم وتراجع قدرته على تفادي صدمات عديدة، سياسية واجتماعية، الأمر الذي نجم عنه احتجاجات عديدة اهتز في إثرها الواقع السياسي، وتسللت خطابات عديدة تنافس بقوة أو تفرض شراكة قسرية، كما يحدث مع حركة مجتمع السلم.

متنافسون متنوعون

يتقدم، إذاً، للانتخابات أحد قيادات الإخوان بخطاب الجماعة التقليدي المحافظ، كما تتنافس المحامية المرتبطة بالدفاع عن القضايا الحقوقية، والتي ارتبط اسمها بالحراك السياسي الجزائري، وعرفت دفاعها عن التظاهرات والمعتقلين، زبيدة عسول. فضلاً عن رئيسة حزب العمال لويزة حنون، وهي اسم ثابت يتكرر في الاستحقاقات الانتخابية منذ عقد التسعينات.

هذه الخريطة الانتخابية بقدر ما تتماس مع الواقع السالف ذكره، حيث يبدو صعود تلك الأسماء على الساحة تلقائياً، إلا أنها تكشف في المقابل عن انسداد في الأفق. وهذا ينطبق على وعود سابقة لتبون الذي تحدث عن جهود الالتحاق بمنظمة “بريكس” وأخفق في ذلك. كما أخفق في ملفات عديدة، تحديداً الدبلوماسية والعلاقات الخارجية، وكانت قضية أو موقف الدولة من الصحراء الغربية أبرزها، بوصفها أشهر النزاعات والتوترات مع المغرب. وما تزال العلاقة مع فرنسا، على الرغم من الخلفيات التاريخية والسياسية المتجذرة، لم تصل إلى حد التقارب الجاد وطي صفحة الماضي.

المرشح يوسف أوشيش، يدعو في دعايته إلى ضرورة إعادة بناء العلاقة ومراجعة تفاصيلها مع فرنسا، وفق مبدأ “الندية” وتحقيق المصلحة، والذي عبر عنه بمقولة “رابح رابح”. وتشكيل سياسية خارجية “أكثر هجومية” وفق تعبيره، وذلك بخلاف ما يتبناه تبون لتحقيق “المصلحة الوطنية”، بدلاً من صيغة “الاعتداء على الأخرين”. ويمتد الموقف إلى مراجعة الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.

ويظل موقف “حمس” هو الأكثر التباساً وغموضاً كعادة التيارات الإسلامية، وخصوصاً الإخوان، فبينما يدافع أوشيش عن اقتصاد البازار وإدارته بشكل علمي ومنهج اشتراكي، يتبنى مرشح الإخوان صيغة أو مقاربة غير واضحة تماماً، تقوم على المصارف الإسلامية وفق تعبيره، ثم تأكيده الدفاع عن الطبقات الفقيرة والمهمشة، بشكل عفوي ورعائي من دون تبيان الآليات أو الإجراءات الاقتصادية حيال ذلك. حتى أنه من غير الواضح والمعروف أي صيغة اقتصادية هي التي ستؤطر الصرافة الاسلامية وإدارة أموال الدولة.

يمكن القول إن تبون الأوفر حظاً في ظل ما تحكم به قواعد الانتخابات بالجزائر، كونه مدعوماً من المؤسسة العسكرية والدولة العميقة، وذلك على الرغم مما تكشف عنه الخريطة السياسية في حراكها الذي اضطلعت به عدة قوى غير تقليدية قوامها من الشباب.

لكن تبون المرجح فوزه، سيكون في مواجهة خريطة سياسية وفضاء يتشكل من عدة مرجعيات، أحدها يتبنى الانتماء الوطني، والآخر يقوم على الأيدولوجيا، والثالث إسلاموي مؤدلج ومسيس. مع الأخذ في الاعتبار أنه قد باتت تتولد رغبة للخروج من الدوائر القديمة والتي تحتكم لتجربة واشتراطات العشرية السوداء.

ويمكن القول إن تخطي هذه القيود السياسية بحمولاتها التاريخية، سيفاقم مواجهة تبون مع فكرة التعددية التي يلح عليها الشباب والقوى الجديدة، ولهذا قالت حركة البناء الوطني في دعمها لتبون، إنه هذا الدعم يأتي بغرض “استمرارية حماية الثوابت الوطنية ومشروع بناء الجزائر الجديدة”؛ أما “حمس: فقد أوضحت أن مرشحها يمثل “فرصة للتغيير”؛ من جانبه قال نائب رئيس حركة البناء الوطني سعيد نفيسي إن “الموقف السياسي تحكمه مصالح الوطن أولاً، ثم مصلحة الحزب ثانياً في إطار الواقعية السياسية”، وشدد على أن دعم تبون يتماهى مع رؤية الحركة من جهة مقاربة الإصلاح والمعارضة الإيجابية “بما يضمن السير بخطوات واضحة نحو تجسيد مشروعها المجتمعي. وأضاف نفيسي أن الجزائر أمام تنافس برامجي، بعيداً عن أي استقطاب أيديولوجي، مؤكداً رفض حركة البناء تقسيم الساحة السياسية في ظل التعددية إلى وطني وإسلامي وديمقراطي. وتابع: “إننا ندرك يقينا لا شك معه أنّ تبون سيكتسح الانتخابات بفوز ساحق، ولا يتصور متابع عاقل للساحة السياسية في الجزائر احتمال فوز مرشح آخر”، لذلك فإن حركته، بصفتها حزباً صاعداً، لن تنخرط في أي خيار خاسر.