تحديات الأمن المائي في الأردن وسبل المواجهة
شكلت نسبة الهطول المطري المنخفضة في الأردن في موسم 2024/ 2025 تحدياً كبيراً في المملكة حيث أشارت إدارة الأرصاد الجوية أن ما تحقق في هذا الموسم لا يتجاوز 46% من المعدل الموسمي في المناطق الشمالية، وفي المناطق الجنوبية لم يتجاوز 60% من المعدل الموسمي.
وتصنف المملكة من ضمن الدول الأشد فقراً بالمياه على مستوى العالم، والتي تعاني الندرة المائية المطلقة، وبالتالي فإن انخفاض معدل الهطول يثير العديد من التساؤلات والقضايا التي تواجه الأردن في تعزيز أمنه المائي، وما هي أهم السياسات التي اتخذتها الحكومة الأردنية في مواجهة هذه التحديات، وما هي أبرز الحلول المقترحة في هذا المجال.
الأمن المائي
يعرّف الأمن المائي بأنه وضعية مستقرة لموارد المياه يمكن الاطمئنان إليها، حيث يستجيب فيها عرض المياه لحجم الطلب عليها، لكن عندما لا يستطيع عرض المياه تلبية حجم الطلب عليها، فيحدث وقتها ما يسمى بالعجز المائي، وبالتالي يصبح هناك انخفاض في مستوى الأمن المائي.
وتشير التقديرات إلى أن حاجة الأردن السنوية من المياه تبلغ 1,4 مليار متر مكعب، وأن العجز المائي السنوي يقدر بـ 400 مليون متر مكعب.
ومع معرفة أن نصيب الفرد من المياه العذبة المتجددة يبلغ 61 متراً مكعباً فقط سنوياً، وأن خط الفقر المائي العالمي يبلغ 500 متراً مكعباً فإن هناك عقبات كبيرة تواجه الأردن في تحقيق الأمن المائي.
التحديات الرئيسية
يتمثل التحدي الأول بالضغط السكاني، بزيادة عدد السكان حيث بلغت الزيادة السكانية في سنة 2023 نحو 1,6%، فضلاًً عن أن استضافة أكثر من 1,3 مليون لاجئ سوري منذ سنة 2011 رفع الطلب على المياه بنحو 20%، فعلى سبيل المثال يستهلك مخيم الزعتري نحو 3500 مترا مكعباً من المياه يومياً.
أما التحدي الثاني فيتمثل بالتغير المناخي، حيث انخفض معدل هطول الأمطار بنحو 30% في العقود الماضية، كما ارتفعت درجة الحرارة وذلك سبب زيادة في الجفاف بسبب ارتفاع نسبة التبخر، وبالتالي فإن انخفاض معدلات الهطول يسهم في عدم تعويض نسبة المياه الجوفية المستخرجة. أما التحدي الثالث فيتكون من الإفراط في استهلاك المياه الجوفية، حيث تشير إحصاءات وزارة المياه والري إلى أن المياه الجوفية تشكل 58% من مصادر المياه، لكن أكثر من 50% من الآبار في الأردن هي آبار غير مرخصة، وذلك سبب نضوب بعض الأحواض المائية، وقد يؤدي الاستهلاك الجائر غير القانوني للمياه الجوفية إلى تسرب المياه المالحة إلى أحواض المياه الجوفية.
ويتمثل التحدي الرابع بمشاكل البنية التحتية الغير كفؤة، خصوصاً في مسألة الزراعة، حيث هناك فقدان قرابة 50% من المياه بسبب الاستهلاك غير الكفوء والتسريبات عبر الشبكة خصوصاً فيما يتعلق بقطاع الري الذي يستهلك نحو 50% من الموارد المائية بينما يسهم فقط بـ 5% في الناتج المحلي الإجمالي.
أما التحدي الأخير فيتمثل بالتوترات الإقليمية التي تؤثر على حصة الأردن من المياه، فالأردن يعتمد على نهر الأردن كمصدر للمياه إلا أن وجود الكثير من السدود عليه في سورية وإسرائيل أدى إلى انخفاض تدفقه إلى 5% فقط من مستوى التدفق التاريخي له، وعلى الرغم من أن اتفاقية السلام الموقعة بين الأردن وإسرائيل سنة 1994 تضمن حصول الأردن على 55 مليون متراً مكعباً سنوياً، لكنها لا تغطي سوى جانب بسيط من العجز المائي.
استراجيات الأمن المائي للأردن
اتبعت الأردن العديد من الاستراتيجيات لمواجهة العجز المائي وبالتالي تحقيق استقرار في مؤشرات الأمن المائي.
ومن هذه الاستراتيجيات إقامة محطات تحلية المياه، حيث اعتمدت الأردن مشروعاً يهدف إلى تحلية 300 مليون متر مكعب من مياه البحر سنوياً في خليج العقبة من أجل إيجاد حلول مستدامة لنقص المياه، بالإضافة إلى نقل المياه إلى العاصمة عمان بمسافة تقدر بـ 450 كيلو متر.
كما بنت المملكة منشآت لمعالجة المياه العادمة، مثل مشروع السمرا الذي ينتج 150 مليون متر مكعب سنوياً، ويتم استخدام نحو 90% من المياه العادمة المعالجة في الأغراض الزراعية. وتشير الإحصاءات في عام 2022 أن 16% من مصادر المياه المستهلكة في الأردن هي من مياه الصرف الصحي المعالجة.
إضافة إلى ذلك اعتمدت الأردن على سياسات وطنية ترتكز على تخفيض الفاقد وتحسين الكفاءة وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، كما قامت بعمل الكثير من الحملات للتوعية بضرورة ترشيد استهلك المياه مثل حملة “كل قطرة تُعتبر”.
علاوة على ما تم ذكره تم إجراء تجربة استمطار صناعي، وسيتم أجراء تجارب أخرى بالتعاون مع تايلند.
مواجهة المخاطر
إن مواجهة المخاطر والتحديات يجب أن تكون على عدة مستويات، فعلى المستوى الوطني يجب إطلاق حملات توعية بشكل أكبر لترشيد المياه، إضافة إلى سن قوانين أكثر صرامة في التعامل مع التعديات على الشبكة أو المياه الجوفية أو المسرفين في استهلاك المياه، وزيادة عمليات الرقمنة في مجال المياه والصرف الصحي مما يزيد من القدرة على الكشف عن مواضع الخلل.
وعلى مستوى تعويض العجز المائي فيمكن لزيادة محطات التحلية، وعمليات الاستمطار أن يمثلان حلولاً مستقبلية لتغطية هذا العجز. وعلى المستوى الإقليمي يجب التفاوض مع إسرائيل وفلسطين وسورية من أجل إيجاد تقاسم المياه بشكل منصف، ضمن الأطر القانونية الدولية في هذا المجال.
أما على المستوى الدولي فأنه يجب الضغط باتجاه تقليل التلوث البيئي وانبعاثات غازات الدفيئة التي من شأنها رفع درجة حرارة الغلاف الجوي وبالتالي التأثير في عمليات الهطول والجفاف.