انقسامات المعارضة السورية ومؤشرات لتصعيد عسكري داخلي

شهدت مدينة غازي عنتاب التركية اجتماعاً ضم جميع الأطراف السورية المعارضة من فصائل عسكرية ورئيس الحكومة المؤقتة ورئيسي هيئة التفاوض والإئتلاف الوطني، بمشاركة ممثلين عن وزارة الخارجية التركية، لبحث آخر التطورات السياسية والعسكرية في مناطق سيطرة المعارضة شمال غرب سورية.

تراشق التهم

لم يمر الإجتماع بشكل طبيعي، فرئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى بادر بإتهام فصائل الجبهتين الشامية والشرقية بالوقوف وراء الاحتجاجات وحالة الفوضى وتعطيل عمل المؤسسات الحكومية في مناطق شمال حلب، لترد الجبهة الشامية على اتهامات مصطفى في بيان رسمي تعلن فيه تعليق عملها مع الحكومة السورية المؤقتة حتى إقالة حكومة المصطفى ومحاسبته على فساده حسب بيان الشامية.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ اتهم نائب قائد القوة المشتركة سيف بولاد رئيس الإئتلاف الوطني هادي البحرة بالتقصير بواجباته السياسية وعدم تقديم الدعم اللازم لفصيل القوة المشتركة لرفع العقوبات الأميركية المفروضة على قائد فصيل سليمان شاه والقائد العام للقوة المشتركة محمد الجاسم.

تلك الخلافات التي أدت إلى تراشق التهم بين أطراف المعارضة لم تكن وليدة اللحظة، بل إنها ظهّرت الانقسام الموجود أصلاً بين أطراف أطراف المعارضة السياسية والعسكرية لعدة أسباب، أهمها:

أولاً: صراع النفوذ والسيطرة بين فصائل المعارضة العسكرية وعلى رأسها الجبهة الشامية وفصائل الشرقية من جهة، والقوة المشتركة التي تضم فصائل الحمزة وسليمان شاه من جهة أخرى، حيث شهدت مناطق سيطرة المعارضة العام الماضي معارك عنيفة بين هذه الأطراف، انتهت بسيطرة القوة المشتركة على مساحة واسعة شمال حلب على حساب الجبهة الشامية.

ثانياً: تتهم بعض القوى السياسية والعسكرية المعارضة الجبهة الشامية وفصائل الشرقية بالوقوف خلف احتجاج الكرامة، والتحريض ضد الحكومة المؤقتة، والوقوف وراء تعطيل عمل المؤسسات وتعطيل القرارات المتخذة في المنطقة، ومحاولتها تقليب الرأي العام ضد الحكومة المؤقتة والفصائل المحلية الأخرى.

ثالثاً: تتهم الجبهة الشامية وفصائل الشرقية رئيس الحكومة المؤقتة ومن خلفه القوة المشتركة بالوقوف وراء تخفيض وزارة الدفاع في الحكومة، الدعم العسكري والحصة المالية المخصصة للتلك الفصائل.

ومع تبيان أسباب الخلاف الرئيسية والغير معلنة يطرح سؤال: ما الذي تريده كل من تلك الأطراف لإنهاء الخلاف القائم؟

تبحث الجبهة الشامية عن استعادة بسط نفوذها وسيطرتها على المناطق التي خسرتها خلال المعارك التي دارت العام الماضي بينها وبين القوة المشتركة مدعومة من قوات هيئة تحرير الشام؛ وترى الشامية نفسها أنها الفصيل الوحيد حالياً الذي مازال يتمتع بالحاضنة الشعبية في مناطق سيطرتها؛ كما تطالب الشامية بإعادة الدعم العسكري والحصة المالية المقدمة من قبل وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، وهذا ما طالب به قائد الجبهة الشامية أكثر من مرة ضمن اجتماعات وزارة الدفاع أو ضمن الاجتماعات مع الجانب التركي.

في المقابل ترى القوة المشتركة نفسها على أنها الأحق في السيطرة على مناطق شمال حلب لما تمتلكه من عوامل القوة العسكرية؛ وتتهم المشتركة الجبهة الشامية والشرقية بالتحريض عليها بهدف اكتساب الحاضنة الشعبية والتجهيز لشن معركة عسكرية ضدها بالتحالف مع قوى خارج وزارة الدفاع، في إشارة إلى هيئة تحرير الشام، وخصوصاً أن الجبهة الشامية ضمت مؤخراً جميع الفصائل التي كانت تتحالف مع تحرير الشام بعد ضغوطات تركية؛ هذا فضلاً عن أن الحراك القائم ضد تحرير الشام في إدلب، أفضى عن انسحاب تحرير الشام من منطقة شمال حلب وفك ارتباطها في الجماعات المتحالفة معها بشكل علني.

تحالفات غير معلنة

لم تكن اتهامات القوة المشتركة للجبهة الشامية وفصائل الشرقية بالتحالف مع هيئة تحرير الشام مجرد اتهامات، إذ أكدت عدة مصادر محلية عسكرية منفصلة أن الجبهة الشامية وفصائل الشرقية بدأت فعلياً بتلقي الدعم العسكري والمالي من قبل هيئة تحرير الشام بهدف رفع جاهزيتها العسكرية لأي عملية عسكرية مرتقبة.

وأشارت المصادر إلى أن الجبهة الشامية بدأت خلال الشهرين الماضيين بتلقي الدعم المالي الذي يغطي نسبة 70% من رواتب مقاتليها، فضلاً عن المصاريف التشغيلية لكوادر الجبهة الشامية ومصاريف التدريبات وغيرها.

ويكمن وراء تغيير هيئة تحرير الشام تحالفاتها شمال حلب عدة أسباب أهمها:

أولا: ترى هيئة تحرير الشام في تنامي القوة العسكرية للقوة المشتركة، الحليف السابق، خطراً على مصالحها شمال حلب وخصوصاً بعد أن أصبحت المشتركة القوة الأكبر والأكثر سيطرة على مناطق عمليات “غصن الزيتون” المحاذية إلى مناطق سيطرة تحرير الشام في إدلب.

ثانياً: دائماً ما تسعى هيئة تحرير الشام لتأجيج الفوضى شمال حلب بهدف تصوير نفسها على أنها القوة العسكرية الأكثر انضباطاً وتنظيما من الجيش الوطني، وأن حكومة الإنقاذ التابعة لها أفضل تنظيماً وإدارة من الحكومة السورية المؤقتة.

ثالثاً: خلال الأعوام السابقة كانت هيئة تحرير الشام تلعب دوراً مهماً في تأجيج الإنقسام بين الفصائل المعارضة الأخرى بهدف إضعافها عسكرياً والسيطرة على مقدراتها، مستغلة بحث تلك الفصائل على القوة العسكرية التي تمتلكها تحرير الشام في إنهاء أي صراع بين الفصائل المحلية لصالحها.

صراع قادم

تشير جميع المعطيات الحالية إلى أن الأيام القادمة سوف تشهد صراعاً وتصادماً عسكرياً بين فصائل المعارضة العسكرية مدعومة بتحالف مع تحرير الشام، بهدف مد النفوذ والسيطرة على أكبر مساحة من الأراضي التابعة للمعارضة خارج سيطرة نظام الأسد.

وبحسب المعطيات ذاتها يبدو أن الصدام القادم لن يتوقف عند تحجيم دور بعض الفصائل العسكرية بل سوف ينتهي بالقضاء عليها بشكل كامل والسيطرة على قرار المعارضة العسكرية في الداخل.

كما أن المؤشرات الحالية تشير إلى أن الصراع بين القوى المعارضة سوف يتجاوز الفصائل العسكرية ومن الممكن أن نشهد انقسامات داخل المؤسسات السياسية المعارضة قد تفضي إلى تعطيل دور الحكومة السورية المؤقتة والائتلاف الوطني السوري المعارض، إلا إذا تدخلت تركيا بشكل فعلي لإنهاء حالة الانقسام الحالية وإيجاد حلول سياسية تمنع الصدام بين مكونات المعارضة بشقيها العسكري والسياسي.