انعكاسات الانتخابات التركية على العراق
يعمل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في هذه المرحلة الراهنة التي يمر بها الشرق الاوسط، على استمرار سياسة العلاقات الجيدة مع دول المنطقة ولاسيما تلك المجاورة للعراق، وهو الوضع الذي تبلور في السنوات الأخيرة، لكن ما يجري في بعض دول الجوار يؤثر بشكل كبير على العراق وخصوصاً العلاقات مع تركيا التي تشهد جولة ثانية من انتخابات الرئاسة بين رجب طيب أردوغان ومنافسه العلماني كمال كليتشدار أوغلو.
مستويات متعدد للعلاقة التركية العراقية
1 – سياسياً: تأخذ العلاقة بين العراق وتركيا مستويات عديدة، وأبعاد سياسية وأمنية واقتصادية. وينقسم المشهد في العراق بين تمنيات بانتصار أردوغان وأخرى بخسارته، وثالث بحياد واضح، وكل ذلك مرتبط بشكل ونوع وطبيعة الدور التركي وتأثيره على الوضع العراقي.
وتاخذ العلاقة في جانبها السياسي أبعاداً، منها التأثير التركي على صنع القرار، ولاسيما السني منه، وصوغ التحالفات السياسية التي تتيح للعرب السنة الدخول في المشهد السياسي، وضمان المصالح التركية، وخصوصاً أن اأنقرة ترتبط بعلاقات وثيقة مع أطراف عربية سنية أو تلك ذات الخلفيات العرقية كالتركمان الذين يعيشون تحت غطاء تركي واضح ويدافعون على المصالح التركية، وكذلك بعض القطاعات العربية السنية ذات الخلفية الإسلامية ولا سيما المنتمين إلى، أو المتعاطفين مع، جماعة الاخوان المسلمين، والذين يدعمهم أردوغان.
من هذه المنطلقات، يخشى الساسة العرب السنة من أن خسارة اردوغان قد تؤثر على أحد أهم محركات الدعم السياسي لهم، على الرغم من تخلي أردوغان عن دعم العديد من الشخصيات السياسية السنية ذات الميول الاخوانية خلال الفترة الماضية، لكن فوز شخصية علمانية قد يؤدي ألى أن ينحصر دعم الحكومة في أنقرة بتركمان العراق، وبالتالي فأن خسارة هؤلاء ستكون محدودة الأثر، بينما ستبدي أطراف شيعية مسلّحة مقربة من إيران ارتياحها لغياب أردوغان المعادي لحلفائها من أكراد تركيا المتواجدين في سنجار العراقية تحت غطاء متطوعين في فصائل منضوية ضمن الحشد الشعبي، فيما ترى بعض الجهات الحزبية الشيعية ببقاء أردوغان خياراً مفضلاً.
2 – أمنياً: أمنياً، تنقسم العلاقة بين تركيا والعراق إلى محورين:
الأول مع حكومة بغداد، والثاني مع إقليم كردستان. المحور الأول يشهد شداً وجذباً كونه مرتبط بالوجود العسكري التركي في إقليم كردستان والقصف المتكرر عليه والذي يواجه اعتراضاً سياسياً كبيراً، ورغبة بكف الاختراقات التركية لشمال العراق، وهو واقع سيبقى قائماً بغض النظر عن الرئيس المقبل.
الثاني، ويتركز على مسالة ضمان التوازن في إقليم كردستان من خلال استهداف حزب العمال الكردستاني (التركي) المعارض الذي يشكل خطراً على أمن تركيا واستقرارها، فضلاً عن كونه منافساً ومزاحماً للحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني في مناطق متفرقة، وخصوصاً تلك المتنازع عليها، ومن بينها سنجار في شمال العراق التي يسيطر عليها عناصر حزب العمال الكردستاني، وهو ما يجعل التدخل التركي مسكوتاً عليه من قبل حزب بارزاني وقد يؤدي الى زيادة كبيرة في حجم ذلك التدخل العسكري في حال فوز المرشح العلماني كليتشدار أوغلو بمنصب الرئيس.
الثالث، البعد التجاري، إذ ترتبط بغداد وأنقرة بعلاقات وثيقة وقوية، وتبلغ قيمة التبادل التجاري عشرات مليارات الدولارات، فضلاً عن عمل الشركات التركية في قطاع البناء والإعمار في العراق، الأمر الذي جعل هذا المستوى المرتفع من التعاون محط جدل وابتزاز من قبل أطراف سياسية مقربة من ايران.
ماذا تريد بغداد من الرئيس التركي؟
يريد العراق من أي رئيس تركي مقبل أن :
1 – يؤمن بمبدأ الحوار وحسن الجوار وعدم التدخل بالشؤون الداخلية .
2 – ديمومة الهدوء الإقليمي.
3 – الأمن المائي الذي ركزت زيارة رئيس الوزراء العراقي السوداني قبل أسابيع إلى تركيا عليه، لجهة تأمين حصة كافية من المياه ووقف بناء المزيد من السدود التي تهدد العراق بالجفاف والعطش.
4 – ضمان التعاون الاقتصادي والتجاري وفق آليات محددة تنعكس على سلوك تركيا السياسي والعسكري.
ومع أن البعض يأمل في تغيير إيجابي في حال وصول رئيس جديد، لكن السياسة التركية، مثلما يرى كثيرون، ثابتة لأنها محكومة بالتاريخ والجغرافيا السياسية، وتفوق تركيا، وبالتالي فان تغييراً كبيراً لن يحدث، بغض النظر عن نتائج الأنتخابات التي تعد مفصلية ومهمة في الشرق الأوسط، كون المعارضة سجلت حضوراً منافساً لأول مرة منذ عقود، وباتت رقماً صعباً في المعادلة التركية، حتى ولو لم يفز مرشحها في جولة الانتخابات الرئاسية الثانية.