امتلاك مصر منظومة الدفاع الصينية والسيناريوهات المعقدة

جاء الإعلان في منتصف نيسان/ أبريل الجاري، عن إجراء أول تدريبات جوية مشتركة بين مصر والصين تحت اسم “نسور الحضارة 2025″، كخطوة استراتيجية مهمّة تعكس تحولاً في التوازنات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط. ومن المقرر أن تستمر المناورة حتى أوائل أيّار/ مايو القادم. وتُجرى المناورة بمشاركة طائرات نقل صينية من طراز “Y-20″، وطائرات إنذار مبكر من طراز “KJ-500”.​

أكبر من مناورات

الهدف المعلن لهذه المناورة، هو تعزيز التعاون العملي، وتبادل الخبرات، وبناء الثقة المتبادلة بين القوات الجوية للبلدين.​ وتُعد المناورة هي الأولى من نوعها بين الصين ومصر في المجال الجوي، بعد تدريبات بحرية سابقة، ممّا يشير إلى الرغبة في تعميق الشراكة العسكرية بين البلدين، بكل ما تضمره من رسائل لها دلالات استراتيجية هامّة، تعكس توجه مصر نحو تنويع مصادر تسليحها، وتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة.

ومن جهة أخرى تُعتبر هذه الخطوة إشارة واضحة إلى واشنطن، بأنّ الصين ماضية تجاه تعزيز علاقاتها العسكرية مع حلفاء تقليديين للولايات المتحدة في المنطقة، الأمر الذي قد يُعيد رسم خريطة التحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط، في ضوء توتر غير مسبوق في العلاقات بين القاهرة وواشنطن. خاصّة وأنّ توقيتها ومضمونها يُشير إلى رسائل استراتيجية موجهة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، تُبرز رغبة مصر في تعزيز استقلالية قرارها العسكري، وتُظهر الصين كشريك موثوق في المنطقة.​

منظومة متطورة

وجاء الإعلان عن حصول القاهرة على النسخة المطورة من منظومة الدفاع الجوي الصينية “HQ-9B” ليعكس تطوراً كبيراً في قدرات الدفاع الجوي بعيدة المدى، ممّا يجعلها من أبرز أنظمة الدفاع الجوي في الترسانة العسكرية المصريّة.​ حيث تتميز بالقدرات القتالية والتقنية التالية:

المدى والارتفاع: يصل مدى منظومة “HQ-9B” إلى 250 كيلومتراً، مع قدرتها على اعتراض الأهداف على ارتفاعات تصل إلى 50 كيلومتراً، ممّا يتيح لها التعامل مع مجموعة واسعة من التهديدات الجوية، بما في ذلك الطائرات والصواريخ الباليستية. ​

السرعة والتوجيه: تبلغ سرعة الصواريخ “Mach 4+”، وتستخدم نظام توجيه يجمع بين التوجيه بالقصور الذاتي والتوجيه الراداري النشط في المرحلة النهائية، ممّا يعزز دقتها وقدرتها على مقاومة التشويش الإلكتروني. ​

الحمولة الصاروخية: تتميز النسخة المطورة بقدرتها على حمل ثمانية صواريخ صغيرة الحجم لكل قاذف، مقارنة بأربعة صواريخ في النسخ السابقة، ممّا يزيد من قدرتها على التعامل مع أهداف متعددة في وقت واحد. ​

الرادارات: تم تزويد “HQ-9B” برادارات متقدمة مثل “HT-233″، والتي توفر تغطية بزاوية 360 درجة، ولديها قدرة على تتبع أهداف متعددة وتوجيه الصواريخ بدقة عالية. ​

وتستخدم الصين منظومة “HQ-9B” كجزء من منظومتها الدفاعية المتكاملة، ويمكن مقارنة هذه المنظومة بأنظمة الدفاع الجوي المتقدمة مثل: الروسية “S-400″، والأمريكية “Patriot”، إذ إنها توفر تغطية واسعة وقدرات اعتراض متعددة، ممّا يجعلها خياراً قوياً للدول التي تسعى لتعزيز دفاعاتها الجوية.​

وعليه، فإنّ امتلاك القاهرة تلك المنظومة، يُعد تطوراً مهماً في مجال الدفاع الجوي، فهي تجمع بين المدى البعيد، والدقة العالية، والقدرة على التعامل مع تهديدات متعددة، ممّا يعزز من مكانتها كأحد أبرز أنظمة الدفاع الجوي في العالم.​

رد فعل إسرائيل

سرعان ما أثارت هذه الخطوة مخاوف كبيرة داخل إسرائيل، وخصوصاً مع احتمال حصول مصر على طائرات صينية متقدمة مثل: “J-10C” و”J-20″، ممّا يُقوّض التفوق الجوي الإسرائيلي المدعوم بطائرات “F-35” الأمريكية.​ واعتبرت تل أبيب أنّ هذه الخطوة تمثل تحولاً استراتيجياً سلبيّاً، يؤثر على توازن القوى في المنطقة.​

الإعلام الإسرائيلي يحذر

انبرت وسائل الإعلام الإسرائيلية، وخصوصاً المقربة من وزارة الدفاع، في الأيام الأخيرة، في التحذير من تنامي القدرات العسكرية لمصر، بالتزامن مع الانتشار العسكري الكبير غير المسبوق منذ معاهدة السلام، للجيش المصري في سيناء، وحذرت تل أبيب من امتلاك القاهرة لمنظومة الدفاع الصينية الجديدة، وتركزت أبرز نقاط القلق الإسرائيلي في التالي:

قدرات المنظومة المتقدمة: تُعتبر منظومة “HQ-9B” من بين أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطوراً في الترسانة الصينية، فهي تتميز بقدرتها على اعتراض أهداف جوية متعددة على مدى يصل إلى 300 كيلومتر، مع مقاومة عالية للتشويش الإلكتروني.​

تشابهها مع منظومة “S-400” الروسية: أشارت التقارير إلى أنّ منظومة “HQ-9B” تُقارن بمنظومة “S-400” الروسية لجهة القدرات، ممّا يمنح مصر تغطية دفاعية جوية واسعة النطاق.​

تأثيرها على التفوق الجوي الإسرائيلي: أثار امتلاك مصر لهذه المنظومة مخاوف من تقليص هامش التفوق الجوي الإسرائيلي، وخصوصاً في ظل قدرتها على التعامل مع طائرات متقدمة وصواريخ باليستية.​

تنويع مصادر التسليح المصري: رأت وسائل الإعلام أنّ هذه الخطوة تعكس توجه مصر نحو تنويع مصادر تسليحها، بعيدًا عن الاعتماد التقليدي على الولايات المتحدة، مما قد يُعقد من حسابات إسرائيل الاستراتيجية في المنطقة.​

الغموض بشأن قدرات المنظومة: أعربت بعض التحليلات الإسرائيلية عن قلقها من صعوبة تقييم القدرات الحقيقية لـمنظومة “HQ-9B”، نظراً لعدم توفر معلومات كافية عنها، ممّا يزيد من حالة عدم اليقين في التقديرات العسكرية.​

وبشكل عام، يُنظر في إسرائيل إلى امتلاك مصر لمنظومة “HQ-9B” كخطوة قد تُعيد رسم ملامح التوازن العسكري في المنطقة، وتُحفز على إعادة تقييم السياسات الدفاعية والاستراتيجية القائمة.​

بالتزامن مع ذلك، شرعت واشنطن في تقييم القدرات العسكرية المصرية، في ظل حصول القاهرة على أسلحة صينية أخرى في أوقات سابقة، أبرزها:

طائرات “Wing Loong-1D” من دون طيار، وهي طائرات قتالية تستخدمها مصر في مهام الاستطلاع والهجوم، وتُقارن بالأميركية من طراز “MQ-9 Reaper” من حيث الأداء. ​

طائرات “ASN-209” بدون طيار، وهي طائرة تكتيكية تُنتج محلياً في مصر بدعم صيني، ممّا يُعزز من القدرات الصناعية والتقنية المحلية. ​

طائرات نقل استراتيجي ثقيلة من طراز “Xian Y-20” تُستخدم لنقل المعدات والقوات، ممّا يُعزز من قدرات النقل الجوي للقوات المسلحة المصرية. ​

سيناريوهات معقدة

جميع هذه التحولات تضع عدة سيناريوهات يمكن اختصارها في ثلاثة احتمالات هي:

السيناريو الأول، استمرار تعزيز القدرات العسكرية المصرية: مع تزايد التحركات العسكرية في غزة، والضغوط الأميركية على مصر، قد تواصل القاهرة إصرارها على المضي قدماً في تعزيز التعاون العسكري مع الصين، وربما روسيا، لكنّ استقلالية القرار المصري في هذا الشأن تبدو معقدة، ومرتهنة بمدى قدرة بكين على تعويض القاهرة اقتصاديّاً، ودفع عجلة التعاون الاقتصادي بين البلدين إلى مستويات قياسيّة، تغطي أوجه النقص في الاقتصاد المصري، وقد تكون عضوية مصر في البريكس فرصة مناسبة لتحقيق ذلك، وهو ما يتطلب أيضاً تفهماً إقليمياً، ودعماً عربياً كبيراً.

السيناريو الثاني، توقف التعاون العسكري والعودة إلى واشنطن: يطرح هذا السيناريو نفسه بقوة، في ضوء ما حدث في سنة 2018، عندما رفضت الولايات المتحدة حصول مصر على مقاتلات روسية من طراز “Su-35″، وهددت بفرض عقوبات عليها بموجب قانون مكافحة أعداء أميركا. واستجابت القاهرة للضغوط الأميركية، ففي كانون الثاني/ يناير 2022، أعلنت مصر إلغاء الصفقة، وبيعت الطائرات التي كانت مخصصة لها إلى إيران. وفي المقابل، أعلنت الولايات المتحدة عن نيتها بيع مقاتلات “F-15” لمصر، في خطوة اعتُبرت محاولة لتعويضها عن صفقة “Su-35” الملغاة.

وربما تحصل القاهرة على تعويض مماثل، وإن كان احتمالاً بعيداً في ظل السياسات الحالية لحكومة ترامب.

السيناريو الثالث، المناورة في المنطقة الرماديّة: استمرار القاهرة بسياساتها الحالية، والتحرك على عدة محاور، لتعزيز امكانياتها المسلحة، من دون إثارة حفيظة واشنطن، مع إرسال تطمينات لتل أبيب، ويتطلب هذا السيناريو قدرة فائقة على فرض السريّة، وتطوير التصنيع العسكري المحلي، ومحاكاة النماذج العسكرية المتطورة.