النكبة الفلسطينية في ذكراها الـ77 والتطهير العرقي يتواصل

يتوقف الفلسطينيون في منتصف أيار/ مايو من كل عام عند ذكرى نكبتهم الكبرى، التي سلبتهم حريتهم، وهجرتهم من مدنهم وقراهم المدمرة التي تجاوز عددها 500.

وفي هذا العام العصيب، يستذكر الفلسطينيون نكبتهم بطريقة مختلفة وفي ظروف عصيبة جداً تواجه قضيتهم، وتهدد مصيرهم.

يستعرض موقع “التقرير العربي” أبرز المؤشرات والمعطيات لنكبة الشعب الفلسطيني، ويتوقف في مخيم الفارعة، شمال الضفة الغربية، الذي كان شاهداً على رحيل أكثر من 120 فلسطينياً تجرعوا مرارة الاقتلاع في أيار 1948.

معطيات ثقيلة

وفق تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، التي نشرت قبل في أيار/ مايو الجاري، فقد تم تشريد 957 ألف فلسطيني من أصل 1,.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في نحو 1,300 قرية ومدينة فلسطينية في سنة 1948، إلى الضفة الغربية وقطاع غزة ودول عربية مجاورة، فضلاً عن تهجير داخلي للآلاف منهم داخل الأراضي التي أخضعت لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي.

وقد سيطرت العصابات الصهيونية على 774 قرية ومدينة فلسطينية، منها 531 تم تدميرها بالكامل، وتم إخضاع ما تبقى من تجمعات فلسطينية إلى كيان الاحتلال وقوانينه. ونفذت عصابات الاحتلال أكثر من 70 مجزرة بحق الفلسطينيين، أدت إلى استشهاد أكثر من 15 ألف مواطن، في وقت يواصل الاحتلال عدوان الدموي على قطاع غزة والضفة الغربية منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

خارطة ديموغرافية

بحسب “الإحصاء” الفلسطيني بلغ عدد سكان فلسطين التاريخية سنة 1914 نحو 690 ألف نسمة، شكل اليهود منهم نحو 8% فقط، وسنة 1948 وصل عدد السكان إلى أكثر من مليوني نسمة، منهم نحو 31,5% يهودياً، وتدفق بين العامين 1932 و1939 أكبر عدد من المهاجرين اليهود الأوروبيين إلى فلسطين بواقع 225 ألف يهودي، وقدم بين العامين 1940 و1947 أكثر من 93 ألف يهودي، وبهذا تكون فلسطين قد أغرقت بين سنوات 1932 و1947 بما يقرب 318 ألف مهاجراً يهودياً، ومنذ 1948 وحتى 2023 وصلها أكثر من 3,3 مليون يهودي.

وعلى الرغم من تهجير 957 ألف فلسطيني عام النكبة، وأكثر من 200 ألف فلسطيني بعد هزيمة الجيوش العربية أمام الجيش الإسرائيلي في حزيران/ يونيو 1967، فقد قُدّر عدد سكان دولة فلسطين نحو 5,5 مليون منتصف 2025 (3,4 مليون في الضفة الغربية، و2,1 مليون في قطاع غزة.

شهداء غزة 10% من سكانها

وتبعًا لتقديرات وزارة الصحة والجهاز المركزي للإحصاء، فقد انخفض عدد مواطني غزة المقدر نتيجة للعدوان منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بمقدار 10% عما كان مقدراً سابقاً لسنة 2025.

وبناءً على المعطيات الرسمية والعدد المقدر، هناك 15,2 مليون فلسطيني في العالم منتصف 2025، أكثر من نصفهم يقيمون خارج فلسطين التاريخية (7,8 مليون، منهم 6،5 مليون في الدول العربية)، فيما يقيم نحو 7،.4 مليون في فلسطين التاريخية، في المقابل هناك أيضا نحو 7،4 مليون يهودي وفق تقديرات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، وبذلك يتساوى عدد الفلسطينيين والإسرائيليين في فلسطين التاريخية مع منتصف 2025.

شهداء 77 عاماً وشهداء 19 شهراً

وصل عدد الشهداء الفلسطينيين والعرب منذ النكبة وحتى اليوم (داخل فلسطين وخارجها) أكثر من 154 ألف شهيد، فمنذ بداية انتفاضة الأقصى سنة 2000 وحتى أيار/ مايو 2025 وصل عدد الشهداء إلى نحو 64,500، وأكثر من 52,600 شهيد خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وحتى 8 أيار/ مايو 2025 ، يشكلون أكثر من 34% من مجموع الشهداء منذ النكبة، منهم أكثر من 18 ألف طفلًا، وأكثر من 12 ألف امرأة، و211 صحافياً، فيما اعتبر أكثر من 11 ألف فلسطينياً في عداد المفقودين، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى ما يزيد على 125 ألف جريحاً، وذلك حسب سجلات وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة. أما في الضفة الغربية، فقد استشهد 964 منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي في خريف 2023.

نكبة مستمرة

أُجبر الاحتلال أهالي قطاع غزة مراراً وتكرار على النزوح من منازلهم تحت النار، وفقدوا بيوتهن وأصبحوا مشردين في الخيام وفي المدارس.

وتبعاً للتقديرات فقد نزح نحو مليونَيْ فلسطيني من بيوتهم من أصل نحو 2,2 مليون كانوا يقيمون في القطاع عشية عدوان الاحتلال الإسرائيلي، ومع ذلك لم يوفرهم القصف، كما وقعوا ضحايا التجويع والحصار المستمر منذ 19 شهراً.

واستشهد نحو 57 طفلاً بسبب الجوع، وأصيب نحو 65 ألف شخص بسوء تغذية حاد نقلوا إلى ما تبقى من المستشفيات والمراكز الطبية المدمرة في القطاع.، إضافة إلى 335 ألف طفل دون الخامسة (يمثلون أطفال غزة كافة من هذه الفئة) قاب قوسين أو أدنى من الموت بسبب سوء التغذية الحاد الذي تواجهه أمهاتهم، كما لا يحصل نحو 92% من الرضع بين 6 أشهر وسنتين بالإضافة الى امهاتهم أمهاتهم على الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية الأساسية، ما يعرضهم لمخاطر صحية جسيمة ستلازمهم طيلة حياتهم.

وسجل تراجع معدلات التزوّد بالمياه لما معدله 3–5 لترات للفرد في اليوم، وتعد هذه النسبة أقل من الحد الأدنى المطلوب للبقاء على قيد الحياة في حالات الطوارئ وفقاً لمؤشرات منظمة الصحة العالمية، والمقدرة بـ 15 لتراً للفرد في اليوم.

وأصبحت أكثر من 70% من الوحدات السكنية في قطاع غزة غير صالحة للسكن،  إذ دمر الاحتلال أكثر من 68,900 مبنى، وتضرر، بشكل كبير، نحو 110 آلاف مبنى، فيما تقدر أعداد الوحدات السكنية التي تم تدميرها، بشكل كلي أو جزئي بما يزيد على 330 ألف وحدة سكنية، وتشكل في مجموعها أكثر من 70% من الوحدات السكنية في قطاع غزة، إضافة إلى تدمير المدارس والجامعات والمستشفيات والمساجد والكنائس والمقرات الحكومية، وآلاف المنشآت الاقتصادية، وتدمير مرافق البنى التحتية من شوارع وخطوط مياه وكهرباء وخطوط الصرف الصحي، وتدمير الأراضي الزراعية، ليجعل من قطاع غزة مكاناً غير قابل للعيش.

أما في مخيمات شمال الضفة الغربية، فقد دمر جيش الاحتلال منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية آذار/ مارس 2025 ما يزيد على 651 مبنى بشكل كلي أو جزئي، إضافة إلى إصدار مئات أوامر الهدم لمنشآت بحجة عدم الترخيص، كما شرع الاحتلال في تدمير عشرات المباني في المخيمات الفلسطينية، وتهجير عشرات الآلاف من ساكنيها في إطار محاولات تهجير الشعب الفلسطيني.

توسع استعماري

وفي غضون ذلك واصل الاحتلال توسيع قواعده العسكرية ومستعمراته التي بلغ عددها، حسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، في نهاية سنة 2024 في الضفة الغربية 551 موقعاً، منها 151 مستعمرة، و256 بؤرة استعمارية، و29 بؤرة مأهولة تم اعتبارها أحياء تابعة لمستعمرات قائمة، و144 موقعاً تشمل مناطق صناعية وسياحية وخدمية ومعسكرات لجيش الاحتلال.

وشهدت سنة 2024 زيادة كبيرة في وتيرة بناء المستعمرات الإسرائيلية وتوسيعها، حيث صادقت سلطات الاحتلال على العديد من المخططات الهيكلية الاستعمارية لبناء أكثر من 13 ألف وحدة استعمارية في جميع أنحاء الضفة الغربية بما فيها القدس، من خلال الاستيلاء على نحو 11,888 دونماً من أراضي المواطنين الفلسطينيين.

ووفقاً للهيئة، بلع عدد المستعمرين في الضفة الغربية 770,420، في نهاية سنة 2023.  وتشير البيانات إلى أن معظم المستعمرين يسكنون محافظة القدس بواقع 336,304 مستعمرين (يشكلون 43.7% من المستعمرين)، منهم 240,516 مستعمراً في منطقة ج1 (تشمل ذلك الجزء من محافظة القدس الذي ضمته إسرائيل إليها عنوة بُعيد احتلالها الضفة الغربية عام 1967)، يليها محافظة رام لله والبيرة، بواقع 154,224 مستعمراً، و107,068 مستعمراً في محافظة بيت لحم، و56,777 مستعمراً في محافظة سلفيت.  أما أقل المحافظات من حيث عدد المستعمرين، فهي محافظة طوباس والأغوار الشمالية بواقع 3,004 مستعمرين. وتشكل نسبة المستعمرين إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية قرابة 23,4 مستعمراً مقابل كل 100 فلسطيني، وسجلت أعلى نسبة في محافظة القدس بنحو 67.6 مستعمراً مقابل كل 100 فلسطيني.

الفارعة يلخص سيرة مخيم

ميدانياً، يمثل مخيم الفارعة جنوب طوباس والأغوار الشمالية، مثالاً حياً على محنة اللجوء ورحيل الجيل الأول، الذي كان شاهداً على النكبة، إذ تسكن في ذاكرة نافز جوابرة، الرجل السبعيني، عشرات قصص الشهود على النكبة في مخيمه، التي شارك في جمعها طوال 6 سنوات.

ويقول العضو السابق في اللجنة الشعبية للخدمات في المخيم إنه يشعر خسارة كبيرة، إذ رحل الجيل الأول الذي عاش النكبة وذاق مرارة الاقتلاع.

ويؤكد إنه كان الساعد الأيمن في تنفيذ برنامج “ذاكرة لا تصدأ”، الذي أطلقته وزارة الإعلام الفلسطينية بالشراكة مع اللجنة الشعبية، وجمع نحو 150 قصة وراوية شفوية لرجال ونساء عاصروا نكبة 1948.

وتعود أصول جوابرة إلى قرية بعلين المدمرة، في أقصى الشمال الشرقي من قضاء غزة وعلى بعد 51 كيلو متراً من المدينة، وأبصر النور بعد عامين من إجبار عائلته على مغادرة منزلها واللجوء إلى مخيم الفارعة.

ويستذكر أسماء البلدات والقرى التي وثق قصص أهلها، رفقة وزارة الإعلام، بين سنوات 2013 و2019، مثل بيسان ويافا وقراها، وبلدة الفالوجة وقرى حيفا خاصة الكفرين وأم الزينات وصبارين والريحانية، وبلدات طولكرم كقاقون، وغيرها.

والخسارة الثقيلة، كما يصفها، أحمد صالح أبو سريس، أحد آخر الأجيال الشاهدة على النكبة يعاني اليوم المرض، ويعجز عن إعادة استرداد أحداث قريته، المتاخمة لحيفا، كما كان يفعل كل ذكرى نكبة.

ويحتفظ جوابرة بأرشيف “ذاكرة لا تصدأ” ويعيد قراءة الرواية الشفوية لأبي سريس، المولود في الكفرين عام 1938.

ويفيد بأن رفيقه تحدث قبل 13 عاماً بإسهاب عن يوسف زكي الذي كان يعمل منادياً للكفرين، ويحمل الأخبار مثل الصحافيين اليوم، إلى القرى المجاورة لإبلاغهم بالأحداث الاجتماعية، كالمواليد والأعراس وحالات الوفاة، وكان يحصل على أجر وهدايا من الأهالي.

ويبين جوابرة بأن أهالي “الفارعة” نزحوا من 84 مدينة وقرية وبلدة دمرت كلها عن بكرة أبيها عام 1948، لكن غالبيتها من شمال فلسطين، ويتوزع الجزء الأصغر على الوسط والجنوب.

ويقدم مشهداً لحالة التداخل التي يعيشها المخيم، فجيرانه من الجهات الأربع ينحدرون من مدينة يافا كعائلة تيم، أو من الريحانة وأم الزينات المجاورة لحيفا مثل أسرة صبح، ومن قريته بعلين، ورفاق دربه من الكفرين.

ومما لا يسقط من ذاكرة جوابرة، الرواية المرئية لزوجة عمه ووالدة زوجته، الراحلة زينب حسن جوابرة، التي ولدت سنة 1942، وأعادت بناء بيت جدها المختار جبر حسن، والمكون من غرف متجاورة من الطين مسقوفة من القصب، ووسطه ساحة كبيرة، وسكنته أربع عائلات، وقبل وقت قصير من النكبة رممته العائلة الممتدة، وتجتمع على مائدة واحدة، في منزل تعلوه عدة أقواس. فيما كان الرجال يتسامرون في الديوان، وليس ببعيد منه خصص المختار مربطاً لخيول ضيوفه.

ويتابع جوابرة، أن الروايات الشفوية، التي شارك في جمعها، أعادت بناء القرى المدمرة بكل تفاصيل، وتحدثت عن كل شيء فيها، وأصبحت اليوم “وثيقة” للأجيال الصاعدة.

بدوره، يؤكد رئيس اللجنة الشعبية للخدمات في “الفارعة”، عاصم منصور، أن اللجنة أطلقت خلال انتفاضة عام 1987 أسماء المدن والقرى المدمرة على طرقات المخيم، وثبتوها على لافتات معدنية، لتظل حية في الذاكرة.

ويرى بأن الأجيال التي عاصرت النكبة غيب الموت معظمها، لكنها نقلت إلى الأبناء والأحفاد مرارة النكبة ووجعها قبل الرحيل، وعبرت لهم عن الحنين الذي ظل مشتعلًا للقرى التي أجبروا على الاقتلاع منها، ولم يكفوا عن أحلام العودة إليها.

ويشير إلى أن المخيم تعرض لمحطات صعبة، ففي حزيران/ يونيو 1967 تركت أعداد كبيرة “الفارعة”، وتقلص عدد أهله، فقد كانوا وقتها 12 ألفاً، لكنهم اليوم قرابة 8 آلاف تعرضوا مطلع العام الحالي لعدوان كبير، وأجبروا مرة أخرى على النزوح عدة أيام.

ووفق منصور، فإن الكفرين هي القرية الأكثر تمثيلاً في المخيم اليوم، الذي استضاف أيضاً مئات النازحين من جنوب فلسطين خاصة قرى قضاء غزة كالفالوجة وبعلين وشحمة، ولكن بأعداد أقل.

ويختتم أن اللجنة وضعت نصباً حجرياً نقشت عليه المدن والقرى والبلدات المدمرة، وعددها 84، التي أقامت عائلتها في المخيم، لكن عمليات التجريف والتدمير خلال الاجتياحات المتكررة دمرته عن بكرة أبيه.

التقرير العربي الشعار

عبد الباسط خلف

مايو 19, 2025In مقالات