المصالح والرسائل من عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية
واحدة من العناصر التي ميّزت الدورة 32 للقمة العربية في مدينة جدة السعودية، في 19 أيار/ مايو الجاري، كانت حضور الرئيس السوري بشار الأسد قمّة عربية، بعيد قطيعة مع النظام استمرت 12 عاماً وما نتج عنها من تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية خلال سنوات الصراع في هذا البلد.
لقد حملت عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية الكثير من التساؤلات بشأن ماهية الرسائل السياسية المراد توجيهها وطبيعة المصالح العربية من ذلك، وحقيقة الرفض الأميركي والغربي من إعادة تطبيع العلاقات مع النظام.
رسائل سياسية
في هذا الصدد، يرى الكاتب والباحث السياسي السوري مروان الدبس، أن عودة النظام السوري لشغل مقعده في الجامعة العربية حمل عدة رسائل سياسية ومنها:
1 – فشل السياسة الأميركية في التعاطي مع الملف السوري، وخصوصاً تأمين مصالح الدول العربية الحليفة معها وعلى رأسها دول الخليج العربي والأردن.
2 – إعلان النظام السوري انتصاره على العزلة العربية المستمرة منذ 12 عاماً دبلوماسياً وعودته إلى الجامعة العربية من بوابة الاتفاق السعودي الإيراني.
3 – رسائل سياسية تريد المملكة العربية السعودية توجيهها إلى المعسكرين الغربي والشرقي عبر لعب دور متوازن بينهما، وعودة السعودية للعب دورها الرئيسي عبر إيجاد الحلول السياسية في المنطقة العربية وعلى رأسها سورية.
مصالح مشتركة
يرى الباحث في العلاقات الدولية الدكتور عبد اللطيف مشرف، أن عودة سورية إلى الجامعة العربية هي رغبة عربية سورية مشتركة، وخصوصاً أن الطرفين يعقدان الآمال على تحقيق مصالحهما من التقارب السياسي وإعادة تطبيع العلاقات بينهم.
ويضيف مشرف، أن مصالح دول العربية تشمل عدة جوانب أمنية وسياسية واقتصادية ومنها:
1 – مواجهة الأخطبوط الإيراني داخل سورية، في ظل وجود بعض الخلافات بين طهران ودمشق التي، وإن كانت لا تمانع أن تتمدد إيران جغرافياً واقتصادياً في سورية، فإنها لا توافق على هيمنة طهران على القرار السياسي وتحويل النظام إلى حزب سياسي وتنظيم عسكري مسلوب القرار مثل الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان، وهنا تكمن نقطة الخلاف والمصلحة العربية من احتضان النظام السوري.
2 – مكافحة تجارة المخدرات الموجهة إلى الخليج العربي والدول العربية عن طريق سورية والتهديدات الأمنية التي باتت الأردن تشعر بالخطر جرائها عبر تهريب الأسلحة إلى داخل المملكة وتمدد الميليشيات الموالية لإيران وانتشارها على الحدود السورية الأردنية.
3- حل مشكلة اللاجئين السوريين في البلاد العربية، وخصوصاً الدول التي باتت تعاني أزمات اقتصادية خانقة وعلى رأسها لبنان.
4 – حجز دول الخليج العربي مقاعد لها في مشاريع إعادة إعمار سورية، وضمان مشاركتها في عمليات الاستثمار الاقتصادي بعد التوصل إلى حل سياسي.
أما في بما يخص مصالح النظام السوري من عودته للجامعة العربية يرى مشرف، أن أهم تلك المصالح تتلخص في:
1 – الدعم الاقتصادي ومساهمة الدول العربية في عمليات إعادة الإعمار، وربطه بملف إعادة اللاجئين، هو ما يحتاجه النظام السوري، وخصوصاً بعد انخفاض الدعم الاقتصادي المقدم من كل من روسيا وإيران.
2 – كسر العزلة العربية وعودة النظام السوري للعب دوره السياسي كممثل شرعي لسورية في ظل غياب أي دور للمعارضة السورية على الساحة السياسية العربية.
3 – التحرر من القيود السياسية والاقتصادية الإيرانية المفروضة على النظام السوري، وخصوصاً ملف الديون الإيرانية وتأثيرها على القرار السياسي للنظام.
4- حشد الدعم العربي لمواجهة تمدد تركيا سياسياً وعسكرياً في شمال غرب سورية، وهذا من أشار أليه بشار الأسد في خطابه أمام قمّة جدّة العربية.
العقبات
على الرغم من الانفتاح العربي على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري وعلى الرغم من عودة النظام لشغل مقعد سورية في الجامعة العربية، يرى كثير من المحللين السياسيين أن إعادة تعويم النظام بشكل كامل قبل إيجاد حل سياسي قد يرتطم بشبح العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على دمشق.
ويرى الكاتب السياسي أحمد مصطفى، أن سن الكونغرس الأميركي لقانون معاقبة التطبيع مع النظام السوري في الوقت الذي شهد عودة النظام إلى الجامعة العربية، ليس إلا رسالة أميركية شديدة اللهجة وجهتها واشنطن إلى الدول العربية تحذرها من الانفتاح الكامل على النظام قبل إيجاد حل سياسي شامل للصراع السوري تحت مظلة الأمم المتحدة.
ويضيف مصطفى، أن الولايات المتحدة ومن خلفها الدول الأوروبية لا تمانع في لعب الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية دوراً لإيجاد حل سياسي للصراع السوري، لكنها ترفض، بشكل قطعي، إعادة تدوير النظام قبل إيجاد الحل السياسي، وهذا ما تبرره التصريحات والخطوات السياسية الأميركية والأوروبية التي رافقت انعقاد القمة العربية.
ويشير مصطفى إلى أن الرسائل الأميركية والأوروبية وصلت إلى لدول العربية وهذا ما ترجمه معظم خطابات الزعماء العرب في القمة العربية والتي دعت إلى ضرورة إيجاد حل سياسي في سورية تحت قرارات مجلس الأمن “2254” و “2218” وهذا ما تريده الولايات المتحدة.