المستفيدون من مشاريع التعافي المبكر في سورية

بعد انسداد الأفق في وجه الحل السياسي للازمة في سورية، وتراجع الاهتمام بها من قبل الأطراف الدولية الفاعلة إلى حد تهميشها، وبعد تداعيات الأزمة الكارثية على المجتمع السوري وعلى قطاعات الدولة بمجملها، بدأ الحديث عن إطلاق مشاريع “التعافي المبكر” كمفهوم أممي بدلا من إعادة الإعمار.

وعلى الرغم من أن تلك المشاريع قد تسهم في الحد من تداعيات الأزمة المرهقة، إلاّ أنها أثارت جدلاً وتحفظات واسعة، منها تعويم النظام السوري لنفسه إقليمياً ودولياً، والحصول على مكاسب تجعله يفرض وجهة نظره في الحل السياسي.

إرهاصات مبكرة

مصطلح “التعافي المبكر” فيما يتعلق بسورية ارتبط بعدة قرارات صادرة عن مجلس الأمن منها القرار رقم 2585 لسنة 2021، والقرار 2672 لسنة 2023 المرتبطان بتمرير المساعدات عبر المعابر الحدودية في شمال البلد، إذ اعتبرت تلك القرارات أن الأنشطة الإنسانية ليست فقط لتلبية الاحتياجات العاجلة للسكان المتضررين، وأنها ينبغي أن تشمل تقديم الدعم للخدمات الأساسية من خلال مشاريع التعافي المبكر الهادفة إلى توفير المياه وخدمات الصرف الصحي والرعاية الصحية والتعليم والمأوى وغيرها.

وفي آذار/ مارس الفائت، بدأ الحديث عن وثيقة للأمم المتحدة بعنوان “استراتيجية التعافي المبكر 2024- 2028” تتضمن إنشاء “الصندوق الائتماني للتعافي المبكر” يكون مقره في دمشق ويعمل تحت القيادة المباشرة للمنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية.

وفي أخر الشهر نفسه، قال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سورية آدم عبد المولى، إن المنظمة الأممية ستطلق قبل حلول الصيف المقبل برنامجاً للتعافي المبكر في سورية يمتد لـ 5 أعوام ويتضمن إقامة مشاريع في عدد من القطاعات بينها الكهرباء.

وأضاف عبد المولى أن تمويل مشاريع هذا البرنامج سيجري من خلال إنشاء صندوق خاص يوفر لبعض المانحين غير التقليديين كدول الخليج “آلية آمنة وشرعية تحت مظلة دولية” بأن تقدم المساعدات التي لا تستطيع أن تقدمها الآن بسبب العقوبات الأميركية والغربية المفروضة على النظام السوري.

كما جاء في المبادرة العربية لحل الازمة السورية “خطوة مقابل خطوة” ذكر مشاريع التعافي المبكر في الشق الإنساني من المبادرة، إذ تطلب من دمشق منح الهيئات الحكومية الوصول الى جميع المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، وتسهيل المساعدات الإنسانية عبر كل الأشكال، أي عبر الحدود وعبر الخطوط ومشاريع التعافي المبكر.

التعافي واللاجئين

ويعتبر موضوع التعافي المبكر ورقة بيد النظام السوري، وخصوصاً بما يتعلق بموجة الهجرة غير الشرعية، ولا سيما من سورية، والتي تشهدها الدول الأوروبية في الآونة الأخيرة.

وتشير التقارير إلى أن اللقاءات بين مسؤولي النظام والمسؤولين الأوروبيين بحثت موضوع التعاون إزاء الهجرة غير الشرعية واللاجئين الذين نوقشت مسألة تسهيل عودتهم إلى البلد مقابل العمل على توسيع مشاريع التعافي المبكر والتخفيف من حدة العقوبات الاقتصادية.

مخاوف المعارضة

أثار الإعلان الأممي بشأن “التعافي المبكرة” مخاوف وقلق لدى أطياف معارضة، اعتبرت أن تلك المشاريع هي بمثابة مكافأة للنظام. وتتخوف المعارضة من جملة من الأمور تتضمنها مشاريع “التعافي المبكر”، وأهمها أن مقر الصندوق في دمشق سيؤدي إلى تعويم النظام السوري، وخصوصاً مع الإنفتاح العربي ومحاولات دول غربية أوروبية عدة التطبيع مع دمشق، وذلك على حساب المعارضة، وبالتالي تمكين النظام من خلال خلال ذلك من الالتفاف على العقوبات الشديدة المفروضة عليه، والعمل على تعطيل العملية السياسية والابتعاد أو المماطلة في عمليات التفاوض، والاستفادة من تلك المشاريع وتوظيفها لخدمة مصالحه ودعم مؤيديه.

كما تبدي المعارضة تخوفاً من التحول من مشاريع التعافي المبكر والشروع بعملية إعادة الإعمار دون البدء في حل سياسي ينهي الأزمة في البلاد، الأمر الذي قد يدفع دمشق وداعميها إلى المزيد من التصلب ورفض العودة إلى المسار السياسي مجدداً، والتعويل على أموال المانحين ووعودهم بتخفيف العقوبات لإعادة تدوير عجلة الاقتصاد وإصلاح مؤسسات النظام السياسية والعسكرية والأمنية، وبالتالي فرض أمر واقع على باقي أطراف النزاع والعمل على إلزامهم به.

رغبات ومؤثرات

على الرغم من أن الحديث عن مشاريع التعافي المبكر لا تزال على الورق الا ان الشيء الواضح هو دعم الأمم المتحدة لتلك المشاريع ومحاولة اقناع المانحين بجدوى هذا المسار، وهو شيء يخدم مصالح النظام بحسب ما هو مطروح، إلاّ أن تلك المشاريع ستتأثر بعدة محددات سلباً او إيجاباً، أهمها: رغبة المانحين في تمريره، والموقف الأميركي منه مع قدوم إدارة جديدة مقبلة، وتعقيدات الصراع بين القوى الدولية والإقليمية في البلد، والتطبيع العربي والغربي مع دمشق، وقضية تهريب المخدرات، وغيرها.

إن الدول التي تعادي النظام السوري ستحاول منع تقديم أي مكاسب مجانية له، وانتزاع تنازلات منه قد تسهم في تقدم الحل السياسي للازمة، فيما سيحاول النظام تعظيم مكاسبه وتعويم نفسه عربياً ودولياً من خلال التفاوض على ملفات حدد سقفها مسبقاً، كاللاجئين وعلاقاته الإقليمية والدولية، وملف التهريب والسلاح وغيره من خلال البدء بتلك المشاريع.