المرواحة اللبنانية من الكحالة إلى بدء الحفر وبانتظار لودريان

لا يزال الوضع اللبناني يعيش حالة من المراوحة واللاستقرار بين مؤشرات إيجابية محدودة ومخاوف كثيرة من تدهور الأوضاع الأمنية والمالية والاقتصادية في ظل الفشل في انتخاب رئيس جديد للجمهورية والخوف من عدم نجاح المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان في التوصل إلى حلول للازمة الرئاسية بسبب اعتراض قوى المعارضة على أسلوب مقاربته للأزمة الرئاسية والحلول المطروحة بشأنها، وإن كان وصول باخرة الحفر للتأكد من وجود الغاز والنفط في البلوك 9 هو الحدث الإيجابي الأهم.

ويمكن تسجيل أهم التطورات التي شهدها لبنان خلال الأسبوعين الماضيين، سواء كانت إيجابية أوسلبية، ومن خلال ذلك قراءة التطورات في المرحلة المقبلة. ومن اهم الاحداث والتطورات التي جرت:

أمنياً

ثلاثة أحداث أمنية جرت في الأسبوعين الأخيرين، لها تداعياتها التي لم تنته بعد: أحداث مخيم عين الحلوة، واغتيال الياس الحصروني، وحادثة الكحالة، فضلاً عن أحداث أمنية متفرقة في معظم المناطق اللبنانية.

فعلى الرغم من توقف الاشتباكات في مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان، فإن تداعياتها مستمرة، سواء داخل المخيم أو خارجه، الأمر الذي ينذر باحتمال عودة هذه الاشتباكات مرة أخرى، فلجنة التحقيق التي شُكلت للبحث في أسباب ما جرى وكيفية معالجته، لم تتوصل إلى نتائج معيّنة واستمرت أجواء التوتر قائمة في المخيم بعد رسم خريطة جديدة لتوزع القوى بين حركة فتح من جهة والقوى الإسلامية المتطرفة من جهة أخرى، وحصول بعض الأحداث المتفرقة بعد وقف إطلاق النار، ما يشي بأن الاشتباكات قد تندلع مرة أخرى، وسط مخاوف من تمددها إلى خارج المخيم أيضاً.

وفيما كانت الجهود تتكثف لضبضبة الوضع في عين الحلوة، حدث تطور آخر تمثل في الكشف أن وفاة الياس الحصروني (أحد مسؤولي القوات اللبنانية في جنوب لبنان)، لم تكن جراء حادث سير، مثلما كانت المؤشرات الأولى تشير، إذ كشفت الأدلة لاحقاً أنه قُتل عمداً بعد أن كان قد خُطف وهو في طريقه إلى منزله، لكن لم تعرف الجهة المسؤولة عن ذلك. وفي حين أن وزير الداخلية اللبناني القاضي بسام المولوي أشار إلى أنه لا توجد أدلة بأن سبب الاغتيال له بعد سياسي وحزبي، فان مسؤولي القوات اللبنانية اتهموا حزب الله بالعملية، وبقيت الأمور معلقة لحين استكمال التحقيقات.

بعد التطورين الأمنيين آنفي الذكر اللذين لم تنته تداعياتهما، حادثة الكحالة لتدفع الأوضاع الأمنية إلى مستوى خطير؛ فعلى الرغم من أن انقلاب شاحنة محملة بالذخيرة والسلاح لحزب الله ليس حدثاً مفاجئاً في منطقة الكحالة (وهي قرية مسيحية في جبل لبنان على الطريق بين بيروت والبقاع)، إذ إن هذه الطريق تشهد على الدوام حوادث انقلاب شاحنات، فإن حصول اشتباك بين ابناء البلدة من جهة ومرافقي الشاحنة من حزب الله من جهة أخرى وسقوط ضحيتين من الطرفين، وما رافق الحادث من إثارة إعلامية وتحريض على حزب الله، تسبب في حصول أجواء تشنج في البلد، الأمر الذي أكد، على الرغم من احتواء تداعيات الحادث، وجود حالة احتقان كامنة، قد تقود إلى تصعيد التوتر بين حزب الله وحلفائه من جهة، وبين المعارضين للحزب من جهة أخرى.

كما أن الأحداث الأمنية المتفرقة التي تشهدها مختلف المناطق اللبنانية، تؤكد هشاشة الوضع الأمني وزيادة المخاوف من المزيد من تدهور الاوضاع، فضلاً عن وجود تخوف حقيقي من عودة تحرك المجموعات الإرهابية مجدداً أيضاً.

سياسياً

في الشأن السياسي، يُسجل استمرار الحوار بين حزب الله و”التيار الوطني الحر”، وبدء التحضير لعودة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، والتي تزامنت مع مواقف تصعيدية لقوى المعارضة.

ويعتبر الحوار بين حزب الله والتيار الوطني الحر هو الحدث الإيجابي الوحيد سياسياً في ظل معلومات مؤكدة أن الحوار يتقدم، وأن هناك بحث معمق يتناول اللامركزية الإدارية التي يُطالب بها زعيم التيار النائب جبران باسيل، وعلى أن يتم لاحقاً بحث في الأسماء المرشحة لرئاسة الجمهورية وعودة حظوظ رئيس تيار المردة سليمان فرنجية للتقدم.

أما مهمة المبعوث الفرنسي، فقد عادت إلى الواجهة عبر الرسائل التي أرسلها عن طريق السفارة الفرنسية في بيروت إلى الكتل النيابية والنواب وتتضمن اسئلة حول صفات الرئيس والمشروع الاصلاحي، لكن هذه الرسائل لم تلق ارتياحاً في الأوساط اللبنانية، والتي ردت عليها قوى المعارضة بمواقف تصعيدية قد تؤدي إلى عرقلة مهمة لودريان، وإن كان انتظار عودته هو الخيار الأفضل، إلا إذا وصل الحوار بين حزب الله والتيار الوطني الحر إلى نتائج عملية قبل عودته.

اقتصادياً ومالياً

في الاقتصاد، كان وصول الباخرة المخصصة للبدء بالحفر لمعرفة الكميات الموجودة من الغاز والنفط في البلوك 9 الواقع على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، هو الخبر الإيجابي الاساسي، كما أن انطلاق عمل نواب حاكم مصرف لبنان في مهامهم في ظل استمرار استقرار الوضع النقدي والمالي يُعد مؤشراً إيجابياً، وإن كان ذلك غير مضمون بانتظار انتهاء فصل الصيف ومغادرة المغتربين.

الانفجار احتمال قائم

في الخلاصة فإن لبنان لا يزال يعيش حالة المراوحة بين الاستقرار النسبي واللاستقرار؛ وإذا لم تحصل تسويات حقيقية وشاملة فإن كل الاحتمالات واردة، وخصوصاً في ظل تزايد المخاوف الأمنية وانفجار الوضع العام.