المحكمة الاتحادية تبدد طموحات الحلبوسي بزعامة سنة العراق

عندما قضت المحكمة الاتحادية العليا، أعلى سلطة قضائية في العراق، بإنهاء عضوية رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي على خلفية دعوى قضائية كان قد رفعها أحد البرلمانيين، واتهمته بتزوير استقالته من البرلمان، فإنها قضت تقريباً على حياته السياسية وبددت طموحاته المتنامية بالزعامة السنية.

ومثّل الحلبوسي، ذو الـ 41 عاماً، نموذجاً جديداً في الساحة السياسية السنية عندما أصبح ذو شعبية جارفة في أوساط السنة وشكل حزب “تقدم” ورفع شعار “نحن أمة” في الانتخابات المحلية، وهو شعار عبر عن تطلعات بزعامة سنية، كانت مفقودة منذ سقوط نظام صدام حسين، لما امتلكه الحلبوسي من ذكاء سياسي ومناورة وبراغماتية، جعلته يتجاوز قيادات سنية كان لها باع بالعمل السياسي.

ونسج الحلبوسي علاقات صداقة وثيقة مع مختلف الأطراف العربية والدولية والإسلامية، إذ يترأس الاتحاد البرلماني العربي ويملك تواصلاً مع البرلمانات العالمية، وهو ما أهله ليكون صوتاً مميزاً في المحافل الدولية والإقليمية، برز كثيراً في كسر المقاطعة العربية لنظام في دمشق ودعم الفلسطينيين في مواجهة الحرب على غزة.

وقرار المحكمة الاتحادية العليا هو الأول من نوعه منذ الغزو الأميركي للبلد سنة 2003، فقد طاول إحدى الرئاسات العراقية الثلاث (الحكومة والبرلمان والجمهورية) وتضمن “إنهاء عضوية رئيس مجلس النواب محمد ريكان الحلبوسي وإنهاء عضوية النائب ليث مصطفى حمود الدليمي اعتباراً من تاريخ صدور الحكم، الثلاثاء، 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، كونه قراراً باتاً وملزماً لكافة السلطات.”

واستندت المحكمة الاتحادية على المادة القانونية في الدستور العراقي النافذ، نص في المادة 94 على أن قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة، بالتالي لاتخضع هذه الاحكام للاستئناف أو التمييز أو تصحيح القرار، مثلما هو شأن بقية المحاكم. وأحكام المادة نصت على اختصاص المحكمة الاتحادية العليا هو أولاَ: الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة؛ وثانياً، تفسير نصوص الدستور؛ وثالثاَ، الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والقرارات والأنظمة والتعليمات، والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية.

وكانت بداية جلسة الثلاثاء عادية بحضور الحلبوسي الذي كان موجوداً في القاعة وقت صدور القرار، لكنه خرج من القاعة فور سماعه أنباء عن القرار قبل أن يُعلن افتتاح الجلسة.

ويقضي الحلبوسي فترة ولايته الثانية رئيساً للبرلمان، وهو المنصب الذي تولاه لأول مرة في سنة 2018، وهو المنصب الأعلى الذي يمكن أن تتقلده شخصية عربية سنية وفق النظام السياسي العراقي الذي تأسس بعد الغزو الأميركي في سنة 2003، وبموجبه يكون رئيس الوزراء شيعياً، ورئيس البرلمان سنياً، ورئيس الجمهورية كردياً.

وتولى نائب رئيس البرلمان محسن المندلاوي، وهو كردي شيعي، رئاسة البرلمان مؤقتاً لحين انتخاب رئيس جديد.

خلافات سياسية

وبدأت الخلافات منذ 15 كانون الثاني/ يناير 2023، عندما أقدم الحلبوسي على استبعاد النائب المستقل ليث الدليمي، وفصله من عضوية مجلس النواب وإنهاء خدماته، الإجراء الذي استفز الأخير، فعمد إلى رفع دعوى قضائية على رئيس البرلمان أمام المحكمة الاتحادية العليا المتخصصة بقضايا فصل النزاعات الدستورية العراقية، متهماً إياه بـ “التزوير والتلاعب” في موضوع استبعاده من البرلمان.

وبعد أشهر من المرافعات وتقديم الأدلة والأخذ والرد قررت المحكمة إنهاء عضوية الحلبوسي.

إجراءات "تقدم" عقب القرار

‏‎ حزب “تقدم”، ورداً على قرار المحكمة الاتحادية العليا، أعلن عن استقالة ممثليه في الحكومة الاتحادية ومن رئاسة ونواب رؤساء اللجان النيابية، والمقاطعة نوابه السياسية لجلسات المجلس.

وقال الحزب في بيان في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، عقب اجتماع لقياداته ونوابه، أنه وجد في قرار المحكمة الاتحادية “خرقاً دستورياً صارخاً، واستهدافاً سياسياً واضحاً.”

وقرر حزب تقدم ما يلي:

1 – مقاطعة جلسات ائتلاف إدارة الدولة.

2 – استقالة نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير التخطيط محمد علي تميم؛ استقالة وزير الصناعة والمعادن خالد بتال النجم؛ استقالة وزير الثقافة والسياحة والآثار أحمد فكاك البدراني.

3 – استقالة ممثلي الحزب من رئاسة ونواب رؤساء اللجان النيابية.

4 – المقاطعة السياسية لأعضاء مجلس النواب عن الحزب لجلسات مجلس النواب.

ودعا تحالف “السيادة” السني، قيادات وممثلي المناطق المحررة إلى “اجتماع عاجل للتداول في الخطوات المقبلة”، بعد قرار إقالة الحلبوسي. وقد جاء ذلك بعد أن أعلن كل من حزب “الحل” الذي يتراسه جمال الكربولي و”تحالف العزم” الذي يترأسه مثنى السامرائي، دعمهما لقرار المحكمة انهاء عضوية رئيس مجلس النواب.

رد فعل الحلبوسي

في البدء أعرب الحلبوسي عن استغرابه من القرار ومن “عدم احترامهم للدستور والوصاية التي تأتي عليهم لا نعرف من أين”، مؤكداً أنه سيلجأ إلى “الإجراءات التي تحفظ الحقوق الدستورية.”

كما أعرب عن الأسف لأن “هناك من يسعى لعدم استقرار البلد وإلى تفتيت المكونات السياسية للمجتمع وتفتيت المكونات الاجتماعية” نفسها، واصفاً قرار المحكمة الاتحادية بـ “قرار غريب سيتم إيضاح تفاصيله وأموره بعدما نطلع عليه بشكل كامل، من خلالكم إلى كتلكم وأهلكم.”

وأشار إلى دوره في تحقيق الأمن في البلاد، قائلاً: “جئنا من مجتمع كان يرفض العملية السياسية لغاية 2014، والمعارضة بأشكالها المختلفة أدت إلى سقوط ثلث العراق، لكن عندما عملنا معكم، عملنا حاملين شعار الأمانة بتعاون هذه المحافظات مع الدولة، نهضت ولم تسمح للإرهاب بالتغلغل فيها وعملوا بكل ما يستطيعون وأصبحوا إيجابيين في العملية السياسية.”

لكن الحلبوسي عاد في مؤتمرين صحفيين، خصص الأول لتفنيد ما استندت عليه المحكمة من مواد قانونية ادت لاقصاءه من منصبه، كون المحكمة غير مختصة بالنظر بقضايا تخص الفصل بأهلية أعضاء مجلس النواب فيما خصص الموتمر الثاني لمهاجمة خصومه السياسيين والدفاع عن اتفاقه مع شركة أميركية مختصة بالعلاقات العامة.

وبكل الاحوال فان الحلبوسي مازال متمسكاً داخل حزبه على الأقل بموقفه غير المقتنع بقرار المحكمة الاتحادية.

تداعيات القرار على الساحة العراقية

فتح ابعاد الحلبوسي الباب واسعا امام صراع بين الشخصيات السياسية السنية في حزب “تقدم” الذي يتزعمه، على تولي المنصب، كما فتح شهية اطراف سنية أخرى مما دفع بتحالف الحلبوسي مع خميس الخنجر رئيس حزب “السيادة” الذي يجمع نحو 60 مقعداً إلى الاتفاق على أن يكون المرشح من هذا التحالف السني وعدم منح الفرصة لتحالفات منافسة قريبة من الإطار التنسيقي الشيعي المقرب من إيران من الدخول على الخط.

وقد يحمل قرار مزاحمة الحلبوسي على صدارة الزعامة السنية وإبعاده من رئاسة البرلمان مستقبلاً، ربما لمزيد من التعقيد في المشهد السياسي في العراق، وخصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية (مجالس المحافظات) التي من المقرر أن تجرى 18 كانون الأول/ ديسمبر بعد توقف منذ سنة 2013، والتي يدخل فيها الحلبوسي منفرداً ضمن قائمة انتخابية تحمل اسم حزبه “تقدم”، كما يأتي بعد يوم واحد من إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مقاطعة الانتخابات المقررة الشهر المقبل، بالكامل.

وستترك هذه الخطوة آثاراً سياسية وإرباكاً كبيراً في المشهد، ولا سيما أن هناك تنافس بين القوى السنية لتصدر المشهد سيضع المجريات السياسية المخطط لها على المحك، وربما يغير من خارطة التحالفات أيضاً.

وخلال العام الماضي، تجدد الحديث كثيراً عن إقالة الحلبوسي من منصبه، من قبل الأطراف السنية المعارضة له، والتي تتوزع بين تحالف العزم بقيادة مثنى السامرائي وبين ضغط قيادات سياسية من الأنبار.

وتشكل تحالف العزم بقيادة السامرائي، بعد الانشقاق عن تحالف عزم بقيادة خميس الخنجر، عندما قرر الأخير التحالف مع حزب تقدم بقيادة الحلبوسي وتشكيل تحالف السيادة، وهو ما رفضه السامرائي نظراً للعداء مع الحلبوسي، فانشق إلى جانب نحو 15 نائباً وأنضم للإطار التنسيقي.

ويذكر ايضاً أن الحلبوسي، قدم في أيلول/ سبتمبر 2022، أي بعد استقالة نواب الكتلة الصدرية وتأدية النواب البدلاء لليمين الدستورية، قاستقالته من منصبه، في خطوة لتجديد الثقة له من قبل النواب البدلاء، وهو ما تحقق وصوت البرلمان على رفض الاستقالة في حينها.