القنب الهندي قانونياً في المغرب بعد عفو عن مزارعيه

تصدرت مؤخراً قضية معتقلي القنب الهندي، المشهد المغربي، في إثر العفو الذي أصدره العاهل المغربي الملك محمد السادس في 20/ آب أغسطس 2024، بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب لسنة 1953، والذي طال 4831 شخصاً مداناً أو متابَعاً أو مبحوثاً عنه في قضايا متعلقة بزراعة القنب الهندي.

تأتي هذه المبادرة الملكية انسجاماً مع الجهود المبذولة من طرف الدولة منذ 2021، من أجل تقنين وتنظيم زراعة وتجارة هذه النبتة لأغراض طبية وصناعية بشكل قانوني، من خلال إصدار القانون المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، وإنشاء وكالة وطنية تسهر على تفعيل وكذا تنزيل هذا القانون، ومواكبة التعاونيات والشركات والمشاريع في مختلف مراحل الإنتاج من زراعة وتسويق وتصدير.

هذا القانون الذي تم نشره في عدد الجريدة الرسمية 7096 بتاريخ 2 ذو القعدة 1443، الموافق لـ 2 حزيران /يونيو 2022، هو استكمال للإطار التشريعي للاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، وفق أحكام القانون رقم 13-21 الذي خص مناطق بعينها كمرحلة أولية (أقاليم الحسيمة، وشفشاون، وتاونات)، والتي لها بممارسة الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي من زراعة وانتاج وانشاء واستغلال منتوجاته، وفق هياكل ومؤسسات قانونية ترعاها وتتبعها الوكالة الوطنية الوصية، مع امكانية التحاق أقاليم أخرى مستقبلاً.

مهام مشروع تقنين القنب الهندي تم تسليمه الى الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي، بهدف التكفل ومواكبة ودراسة طالبي الرخص وتيسير انجاز المساطر الإدراية المتعلقة بمنحها، في إطار عمل يتدخل في انجازه ورعايته وزارة الداخلية، باعتبارها الوزارة الوصية وباقي الفاعلين والمتدخلين المعنيين.

وتهدف هذه الإجراءات لرفع هذا النشاط غير المشروع في مناطق الريف الى نشاط اقتصادي مشروع، قادر على المنافسة في السوق الدولية للاستعمالات الصناعية للقنب الهندي. ولهذا تم تثمين الخطوة الملكية من طرف مدير الوكالة المشرفة على التقنين محمد الكروج الذي صرح لوكالة “فرانس برس” بأن العفو الملكي يمثل التفاتة استثنائية ستمكن هؤلاء المزارعين وأسرهم من الانخراط في الدينامية الجديدة للتقنين، “فهي تمثل خطوة، سوف تتخذ شكلاً تدريجياً، نحو القضاء على الزراعات غير المشروعية واستبدالها بنشاط قانوني ومشروع، مما سيخلق دينامية سوسيواقتصادية محلية مستدامة.”

التقنين في مواجهة التهريب

تجدر الاشارة الى أن هذا الملف كان يعتبر من المحرمات المسكوت عنها، والتي تستبطن العديد من الممارسات اللامشروعية، وتخفي الكثير من المآسي الاجتماعية والاقتصادية، وتمثل وكراً للفساد والتهريب الوطني والدولي، وخصوصاً في مناطق الريف التي تنتعش اقتصادياً على هذه الزراعة دون غيرها، فهو حال أغلب سكان هذه المناظق بسبب إكراهات المجال “الجبلي”،  والأمر يعود الى السياق المجالي والتاريخي، إذ يعتبر من الموروث الثقافي والسوسيولوجي لمنطقة الريف.

بالعودة للسياق التاريخي هناك بعض المناطق التي تملك ظهيراً سلطانيا يعود للقرن التاسع عشر، يسمح لها بزراعة الكيف، علما أن نحو 80 إلى 120 ألف أسرة، تعيش على عائداتها، بحسب التقديرات الرسمية لسنة 2019، لهذا فقضيتهم هي قضية عدالة مجالية، وهي الإشارة التي قدمها الناشط الحقوقي خالد البكاري على صفحته في الفيسبوك، إذ سطر أهم المآسي الاجتماعية التي يعاني منها سكان هذه المنطقة، مثل الاستمرار في الهروب والتخفي مخافة مذكرة البحث الصادرة في حقهم، وعدم توثيق لعقود الزواج، الولادة، الموت، والحرمان من التعليم، مما أوجد عزلة مجالية خانقة لهذه المنطقة.

بلاغ  وزارة العدل أظهر أنه فضلاً عن الجوانب الإنسانية لهذا العفو، فإنها ستمكن المشمولين بها من الاندماج في الاستراتيجية الجديدة، التي انخرطت فيها الأقاليم المعنية في أعقاب تأسيس الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي، والأثر المهيكل الذي سيحدثه نشاطها على المستوى الاجتماعي/ اقتصادي.

ويمكن القول إن جل الفاعلين المدنيين والحقوقيين والسياسيين، عملوا على تثمين هذه المبادرة الملكية، باستثناء بعض التصريحات التي كانت تنتظر خطوة أجرأ تتمثل في اصدار العفو الشامل عن معتقلي حراك الريف، بعد العفو الذي شمل خلال ذكرى عيد العرش نهاية تمّوز/ يوليو، بعض معتقلي الرأي (صحفيين ومدونيين).

من أبرز من خرج بتصريحات تزكي ايجابيات هذا العفو، هو “المجلس الوطني لحقوق الإنسان” الذي اعتبر العفو الملكي يقع في صلب الاختيارات الاستراتيجية الهادفة إلى تعزيز العدالة المجالية لهذه المناطق. وقد أكد السيد حمضي، مدير مديرية الرصد وحماية حقوق الإنسان في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذه الالتفاتة الملكية ستساهم في ضمان حق المعفى عنهم في المشاركة في التنمية المحلية، باعتبار أن هذا الأمر يعد حقا من حقوق الإنسان، وكذلك إدماجهم في الاستراتيجية الجديدة، وفق ما جاء في القانون 21-13 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي. كما أكد عادل تشكيطو رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أن العفو الملكي الأخير يعكس تحولاً نحو نهج أكثر شمولية، في التعامل مع قضايا كانت في سنوات سابقة تمثل محرماً مسكوتاً عنه.

أما على صعيد الفاعلين السياسيين، فقد عبرت أحزاب التحالف الحكومي (الاستقلال، والأصالة والمعاصرة، والأحرار) عن ترحيبها بهذه الخطوة، إذ أصدر حزب الاستقلال تصريحاً عبر موقعه الالكتروني، جاء فيه أن هذه الالتفافة الملكية تأتي في سياق مواصلة مسلسل المصالحة المجالية والتنموية مع المناطق التي تشتهر تاريخيا بزراعة القنب الهندي،  فهو اختيار موفق يعمل على تحويل نبتة القنب الهندي (نشاط غير مشروع) إلى منتوج يستعمل لأغراض طبية وصيدلية وصناعية (نشاط قانوني/ مقنن).

أما حزب الأصالة والمعاصرة، فقد اعتبرها خطوة متقدمة في الاستراتيجيات المخصصة لتنمية هذه الجهات وتثمين مواردها وخصوصياتها، في إطار السياسات العمومية الاستراتيجية المهيكلة لهذه الزراعة، باسهام كبير من الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بهذه الزراعة. في حين أشاد حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود الحكومة الحالية، بقرار العفو، مؤكدا انخراطه بقوة في هذا المسار الحقوقي.

توجس وارتباك حزب المصباح

في المقابل كان البعض ينتظر ردة فعل حزب العدالة والتنمية الإسلامي (المصباح) بكثير من الترقب المتوجس، إلى حين خروج الحزب ببيان يؤكد من خلاله، “عن ارتياحه وترحيبه بتوالي المبادرات الملكية الكريمة بإعمال العفو الملكي، (والمقصود هنا العفو الملكي السابق على معتقلي الرأي بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش)، الذي شمل بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب وعيد الشباب، لظروف اجتماعية وإنسانية، عدداً من الأشخاص المحكوم عليهم من طرف مختلف محاكم المملكة، ومن الأشخاص المدانين أو المتابعين أو المبحوث عنهم في قضايا متعلقة بزراعة القنب الهندي المتوفرين على الشروط المتطلّبة للاستفادة من العفو.” ويبدو أن بيان حزب المصباح قد ركز على تثمين الخطوة لجانبها الإنساني، من دون الخوض في عمق الاستراتيجية الاقتصادية لزراعة القنب الهندي، التي تسعى الدولة لهيكلتها.

ومن المعلوم أن عبد الإله بنكيران الأمين العام للحزب الحالي، كان قد أثار جدالاً واسعاً داخل حزبه، في إثر رفضه تمرير قانون تقنين زراعة القنب الهندي أثناء فترة حكم حزبه خلال سنة 2021، وأمام خطر إسقاط الحزب، وهو ماحاولت المضي فيه أحزاب المعارضة آنذاك، تراجع الحزب عن هذا الرفض، وتمت المصادقة على مشروع قانون تشريع استخدام القنب الهندي بمباركة حزب العدالة والتنمية، التي كان على رأسها سعد الدين العثماني، لكن في المقابل استمر عبد الاله بنكيران في إعلان رفضه، مما دفعه لتجميّد عضويته في الحزب سنة 2021.