التريث والقضم نهج الجيش اللبناني لحصر السلاح بيد الدولة

طرحت الغارة الإسرائيلية الأخيرة على الضاحية الجنوبية لبيروت مجدداً مسألة سلاح حزب الله وطبيعة السياسة التي تتبعها السلطة اللبنانية في هذا الشأن، ولا سيما الجيش اللبناني المكلف عملياتياً هذا الملف، بين داع لـ “نزع” سلاح الحزب، ورأي آخر يُفضل عدم افتعال صدام قد يقود إلى نزاع طائفي وحروب أهلية جديدة، وبالتالي يدعو إلى “القضم المتدرج” للوصول إلى تطبيق قرار متخذ بحصرية السلاح بيد القوى المسلحة اللبنانية الرسمية؛ وهذه هي السياسة التي يتبعها الجيش اللبناني والقيادة السياسية للبلد.

غارة إسرائيلية جديدة

أنذر الجيش الإسرائيلي، يوم الأحد الماضي في 27 نيسان/ أبريل، سكان منطقة الحدث في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، بالإخلاء تمهيداً لقصف أحد المواقع. بعد التدقيق في الخارطة ومطابقتها على الأرض تبين أنّ المكان المستهدف هو “خيمة” كبيرة لـ “حزب الله” يقول إنّها مُعدة لتقديم المساعدات للنازحين وخلافه من الخدمات التي يقدمها لجمهوره.

بعد نحو ساعة عن الإنذار، استهدف سلاح الجو الإسرائيلي المكان بغارتين تحذيريتين، ثم استتبعهما بغارة مركّزة، قيل إنه أطلق 3 صواريخ من نوع GBU -84 بعيد الإنذار، ثم بعد الغارات الثلاث كان “حزب الله” يضرب طوقاً أمنياً منع خلاله أهالي الحي من الاقتراب من المكان، ثم ما لبث أن نادى عليهم بمكبرات الصوت بعد الاستهداف من أجل مغادرة المكان.

معلومات انتشرت في بعض وسائل الإعلام اللبنانية، أفادت بأنّ الغارة، وهي الثالث في ضواحي بيروت منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، نُفّذت بعد تحذيرات وصلت إلى الجانب لبنان قبل 72 ساعة. كما سادت شكوكاً، غذتها تغريدات أدرعي عن أن الموقع مكان لتخزين صواريخ ذكية لحزب الله، بوجود مخزن أسلحة تحت الخيمة بعمق الأرض، وغذاها كذلك انتشار عناصر للحزب في المكان ومنع السكان من العودة إلى منازلهم بعد الغارة.

وبعد اتصالات مكثّفة بين “حزب الله” والجيش اللبناني، دخل الأخير المكان في اليوم التالي وكشف النقاب عن عملية تفجير ذخائر بقيت طي الكتمان ومن دون ذكر المزيد من التفاصيل.

ذخائر غير منفجرة؟

“الوكالة الوطنية للإعلام” (وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية) نشرت بياناً عن الجيش اللبناني ذكر حرفياً أنّه: “بتاريخ 28/4/2025، ما بين الساعة 5 والساعة 6 ستقوم وحدة من الجيش بتفجير ذخائر غير منفجرة من مخلفات العدوان الإسرائيلي في منطقة الحدت/ بعبدا”.

لاحقاً، كشف مصدر خاص مطلع لـ “التقرير العربي” بأن الجيش عثر على صاروخ باليستي طوله 12 متراً في المكان وقام بتفجير مخلفاته في المكان، بينما روّجت وسائل إعلام وإعلاميين مقرّبين من “حزب الله” أن التفجيرات الذي نفّذها الجيش كان لأحد الصواريخ الإسرائيلية غير المنفجرة في المكان. ثم لاحقاً تبيّن أنّ المكان يضم فوق مخزن الأسلحة، نفقاً، وفق المصدر نفسه.

آلية التحقق

وفق مصدر شديد الإطلاع على آلية التحقق من خروقات اتفاق “وقف الأعمال العدائية” بين إسرائيل ولبنان، فإنّ الجانب الأميركي أستحدث تطبيقاً خاصة لهذه المهمة، يضمّ إلى جانب الجيش الأميركي كل من الإسرائيليين وغرفة عمليات الجيش اللبناني الذي يطلّع بشكل فوري على التحذيرات ويقوم بمداهمة الأمكنة للتأكد من خلوها من الأسلحة. وبالعادة تلجأ إسرائيل إلى استهداف الامكنة التي تبلّغ عنها بعد فشل الجيش من المداهمة لأسبباب متنوعة، قد تكون عجزاً لوجستياً أو تأخراً أو حتى رفضَ “حزب الله” دخول الجيش اللبناني إلى المكان.

ذرائع إسرائيلية

وعلى الرغم من الاتفاق على وقف إطلاق النار، تستمر إسرائيل باستهداف جنوب لبنان بذريعة مهاجمة أهداف لـ”حزب الله”، إلاّ أنّ استهداف ضاحية بيروت الجنوبية، لم يحصل إلا نادراً، وتعزوه المصادر لعدم تمكّن الجيش لمعاينة الأمكنة التي تخطر بها إسرائيل اللجنة التي تترأسها الولايات المتحدة والموكلة بمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار.

اعتراضات لبنانية

وفي الآونة الأخيرة، برزت إعتراضات لبنانية على آلية عمل اللجنة، وانحياز الجانب الأميركي لإسرائيل. ولأسباب ما زالت حتى اللحظة مجهولة،  قامت واشنطن بتعيين مايكل ليني رئيساً جديداً للجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية خلفاً للجنرال غاسبر جيفرز، تسلّم مهامه في 30 نيسان/ أبريل بعد زيارة رئيس الجمهورية اللبنانية جوزف عون في قصر بعبدا برفقة السفيرة الأميركية في بيروت ليزا جونسون.

وقد شدد عون في تغريدة نشرتها صفحة الرئاسة اللبنانية في موقع “إكس” على “ضرورة تفعيل عمل لجنة المراقبة ومواصلة الضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها والانسحاب من التلال الخمس” التي تتمركز فيها جنوب لبنان وترفض الانسحاب إلى الآن.

وفي وقت لاحق، استقبل رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام ليني وجيفرز وجونسون، وشدَّد على أنّ الانسحاب الإسرائيلي هو “المدخل الفعلي لتعزيز سلطة الدولة وتقويتها”، بحسب بيان صادر كذلك عن رئاسة الوزراء.

وتتنصل إسرائيل من استكمال انسحابها من جنوب لبنان بحلول 18 شباط (فبراير) الماضي، خلافاً للاتفاق، منفذةً انسحاباً جزئياً، وتشترط تسليم “حزب الله” لكامل أسلحته جنوب الليطاني وشماله.

فوضى حزب الله

وسط كل ذلك، ظهر تضارباً في مواقف قيادات “حزب الله” بشأن مسألة تسليم السلاح عند كل محطة سياسية. لكن الواقع على الأرض يظهر حجم الوهن الذي أصيب به “حزب الله” بعد الحرب. إذ تفيد معلومات من داخل جنوب لبنان بوجود حالات سرقة ونهب لأسلحة تركها مقاتلو الحزب في المخازن، وتُرصد عمليات بيع لها على يد العصابات، ناهيك انتشار سيارات من نوع “رابيدات” بلا نُمر، يستخدمها عناصر الحزب في التنقل.

الجيش لا يتساهل

ولا يتساهل الجيش اللبناني مع ضبط مخازن الأسلحة بخلاف ما يشاع في وسائل الإعلام، إذ يقوم بمصادرة الأسلحة فور العثور عليها، ويقوم بتوقيف عناصر الحزب المتورطين بحيازتها، لكن بتكتم شديد وبعيداً عن وسائل الإعلام منعاً لاستغلال الأمر وافتعال الفتن.

ويتبنى رئيس الجمهورية جوزف عون، كما الجيش اللبناني، نهجَ “التريث والقضم” في التعامل مع هذا الملف الحساس. نظرية عون تقوم على أنّ الحزب بات محاصراً ولا حاجة لممارسة الضغوط عليه.

فبعد سقوط النظام السوري وإحكام السيطرة على مرفأ بيروت ومطارها الدولي، لم يعد أمام الحزب أي فرصة من أجل التسلح من جديد، وهذا يعني أنّ حصر السلاح بيد الدولة بات أمراً محسوماً بينما التنفيذ يحتاج لمزيد من الوقت، وهو النهج الذي نجح عون من خلاله في إقناع الإدارة الأميركية.