الانتخابات الرئاسية الجزائرية بين العزلة الخارجية وارتهانات الداخل

تنطوي الانتخابات الرئاسية الجزائرية على عدة احتمالات، وتفرض سيناريوهات جمّة، في ظل أوضاع عديدة ومتباينة تتقاطع معها؛ بعضها محلي متخم بالركود الاقتصادي والأزمات المجتمعية الناجمة عن تدني الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة، وبعضها يتصل بالكتل السياسية المنخرطة في هذا السباق، وقد باغتت حركة مجتمع السلم (حمس)، الذراع السياسية للإخوان المسلمين، الجميع بترشيح رئيسها عبد العالي حساني شريف، لخوض الاستحقاق الانتخابي، بعد إعلان مقاتعتها الانتخابات أكثر من مرة.

وبالنظر إلى التوازنات العديدة القائمة في ظل الشروط القانونية والتشريعية وحالة المجتمع المدني، فإنّ القانون الانتخابي الصادر في مطلع 2021، يطبق للمرة الأولى الاشتراط على المترشحين إيداع كفالة مالية في الخزينة العمومية، حتى يصبح بمقدورهم الحصول على نحو 50 ألف ورقة من الهيئة المستقلة للانتخابات، وهي عدد استمارات التوقيعات التي يتعين جمعها.

أجواء الانتخابات الرئاسية

تنص المادة 250 من القانون الانتخابي الجديد على أنّه “يلزم كل راغب في الترشح للانتخابات الرئاسية، إيداع كفالة لدى الخزينة العمومية قدرها 250 ألف دينار جزائري (ما يعادل 1400 دولار أميركي)”، على أن “تُسترد الكفالة من قبل المترشح الذي حصل على 50% من التوقيعات المقررة قانوناً على الأقل، موزعة على 25 ولاية على الأقل، في أجل 15 يوماً من إعلان المحكمة الدستورية عن الترشيحات.”

ويعني ذلك أنّ أي مترشح لا يجمع النصاب المطلوب من التوقيعات المنصوص عليه في القانون الانتخابي (25 ألف توقيع من 50 ألف توقيع المقررة لقبول الترشح)، لن يتمكن من استرداد القيمة المالية التي أودعها ككفالة لترشحه، وهو ما يحد من دوافع المرشحين غير الجادين، للتوجه أصلاً إلى السلطة المستقلة للانتخابات. كما تنص المادة نفسها على أنّه “تسقط الكفالة بالتقادم، وتنقل للخزينة العمومية، إن لم تتم المطالبة بها من طرف المترشح، في أجل سنة من تاريخ إعلان النتائج النهائية.”

مؤثرات خارجية ومتغيرات داخلية

فضلاً عن الوضع المحلي، هناك تأثيرات ومؤثرات خارجية وإقليمية، ترتبط بالعملية الانتخابية، وخصوصاً في ظل التغييرات التي تجري في أوروبا، ومنها فرنسا، بعد الصعود اليميني اللافت، ناهيك عن الارتباك في الإدارة الأميركية إزاء انشغالات عديدة، وكذلك تداعيات الحرب في غزة.

من بين المتغيرات الطارئة في سياق الاستحقاق الانتخابي للوصول لمنصب الرئيس، قرار مجلس شورى حزب حركة مجتمع السلم الإسلامي طرح مرشح في الانتخابات الرئاسية.

وفق مصدر سياسي جزائري فضل عدم ذكر اسمه، فإنّ مشاركة “حمس” المباغتة في الانتخابات، ربما هي “من باب ترتيب البيت الداخلي”، والبحث عن حلول أو أفق للعزلة التي يقع تحت وطأتها الرئيس عبد المجيد تبون، وهي عزلة دولية، وإيجاد انفراجه في الداخل لمنحه ولاية ثانية، وخصوصاً بعد تغيب الرئيس الفرنسي عن اللقاء به في أكثر من موعد محدد ومعلن عنه، لافتاً إلى أن انسحاب فرنسا من منطقة الساحل في أفريقيا، فاقم من أزماته مع محيطه الجيواستراتيجي وحديقته الخلفية، حيث تطاول الاتهامات تبون من كل حدب وصوب، وتحديداً في مالي (قضية الطوارق) والنيجر.

ويضيف: “لا يبدو وضع تبون مع الخليج بأفضل حال من سابقه، فمع تغيبه عن اجتماع قمة البحرين قبل فترة وجيزة من العام الحالي، يبدو منبوذاً من عدة قوى خليجية، مع استثناء قطر، لحضورها في الكواليس الداعمة لانخراط الجماعة المحسوبة على الإخوان في المشاركة السياسية.”

وعليه، فإن الجزائر في إطار ملفاتها المختلفة وخصوصاً الإقليمية والخارجية، تقف في ساحة من دون حلفاء أو شركاء محتملين، ممّا يجعل حركاتها ومناوراتها السياسية بطيئة للحد الذي تباعد المسافات بينها وبين أي نتيجة إيجابية، أو تحقيق لمصالحها، كما هو الحال في الأزمة المغربية الجزائرية، وما تحظى به المغرب من دعم قوى، ولاسيما من إسرائيل.

ويؤكد المصدر أن جنرالات الجيش هم من يديرون الرئاسة في الجزائر، وأنهم سيعيدون بناء السياسات وإدارة المشهد مع دوائر أمنية أخرى تضطلع بهذه المهام، لجهة استرداد الاستقرار، وتقليل “التجاذبات بين المؤسسات: المخابرات، والرئاسة، والداخلية.”

ملف حقوقي سلبي

ليس ثمّة شك في أن الأجواء الانتخابية في الجزائر، سوف تجري في ظل أوضاع حقوقية شديدة القتامة، وقد تفاقمت الأوضاع في العقد الأخير، ووفق عدة منظمات حقوقية أمميّة، منها الشبكة الأورو متوسطية للحقوق، إذ إن الأعوام التي تلت حراك سنة 2019، ارتفعت فيها وتيرة القمع بصورة فجة، مثل غلق الصحف وتسييس القضاء، ناهيك عن قمع الأقليات البربرية، مع إشارات لافتة لاتساع قاعدة نشر الكتب الدينية التي تحمل أفكاراً متشددة وإسلاموية، إذ إن ما نسبته 90% من مجمل الكتب المنشورة هي دينية، وويبقى الهامش الضئيل للكتب المتعلقة بحرب الاستقلال.

ارتفاع عمليات التهريب

تكشف تقارير الأجهزة الأمنية عن أنشطة شبكات دولية للهجرة بصفة مستمرة، كما هو الحال مطلع العام، حيث تم توقيف 25 شخصاً، منهم 24 مغاربة. ووفق بيان لمصلحة الدرك، فإنه “في إطار محاربة الجريمة بجميع أشكالها، واستغلالاً لمعلومات مؤكدة وتحريات معمقة، تمكّن أفراد وحدات المجموعة الإقليمية للدرك الوطني بمستغانم، من تفكيك شبكة دولية للهجرة غير الشرعية، عبر البحر يتمركز مدبّريها الرئيسيين في المغرب.” ليتم على إثرها “توقيف 25 شخصاً من بينهم 24 من جنسية مغربية.”

فرص الرئيس وارتهانات الداخل

تتوقع مصادر جزائرية مطلعة “تأجيل الانتخابات”، لكن في الأحوال كافة، هناك كتلة سياسية مؤيدة للرئيس تبون، تميل إلى تشكيل ائتلاف قوي لدعمه وتمكينه من ولاية ثانية. وكان قادة أحزاب: “التجمع الوطني الديمقراطي”، و”جبهة التحرير الوطني”، و”جبهة المستقبل”، و”حركة البناء الوطني”، أعلنوا عن تأسيس “لجنة تنسيق”، وقالوا إن تبون “سيكون الشخصية التي ستدعمها الأحزاب الأربعة حال ترشحه.”

ويماثل التكتيك الذي تقوم به الأحزاب الأربعة، ما جرى مع الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة في سنة 2004، وكان يخوض الاستحقاق لولاية ثانية، مع الأخذ في الاعتبار أن أحد الأحزاب الأربعة وهو “حركة البناء” المؤيد للرئيس الجزائري، انشق عن حركة “حمس”. ولحد الساعة، أعلنت 3 شخصيات حزبية ترشحها للاستحقاق، حيث أعلنت الأمين العام لحزب العمال لويزة حنون، ورئيس الاتحاد من أجل التغيير والرقي المحامية زبيدة عسول، ورئيس التحالف الوطني الجمهوري بلقاسم ساحلي،  ترشحهم للانتخابات، وبعضهم سبق له الترشح لمرات عديدة؛ مثل عسول.

وتكاد تكون هذه الأسماء المعلنة، حتى الآن، لا تملك سوى حظوظاً ضئيلة وربما منعدمة للنجاح أو الوصول لمرحلة خوض الانتخابات، وتفكيك الكتل الانتخابية، وخرق حواضن التحالف الداعم لتبون. حتى أنّ حركة “حمس” لا تبدو على مستوى يجعلها تصعد لمنصب الرئيس، وإنّما هي خطوة نحو الانخراط السياسي والمشاركة في السلطة.

وقد ألمح معهد واشنطن، أنه في الجزائر، تمثل الانتخابات المبكرة على ما يبدو محاولة لتوطيد السلطة، وليس لتعزيز النمو الديمقراطي، إذ ينطوي أحد الاحتمالات على الأمل الذي ينتظره تبون، في منع ترشح المنافسين المحتملين، من خلال تسريع الجدول الزمني. ولعله يسعى أيضاً إلى الحد من خطر تنظيم احتجاجات جديدة، وسط استياء سياسي، بالتزامن مع تراجع اقتصادي واسع النطاق.

ولكن السيناريو الأكثر ترجيحاً، هو أنّه يرد على النزاع الداخلي العشائري، الذي يشارك فيه الجيش (القوة السياسية التقليدية، الأقوى في البلاد) ويحاول إضعاف مراكز السلطة الأخرى.

وعلى أي حال، تبدو النتيجة محددة سلفاً في هذه المرحلة. فمن ناحية، حقق تاريخياً الرؤساء المنتهية ولايتهم، انتصارات ساحقة في الجزائر. فضلاً عن ذلك، أدّت أعوام من القمع الهادف والاستقطاب الاستراتيجي، إلى إضعاف المعارضة، ممّا قوّض إمكانية تنظيم عملية ديمقراطية قوية. كما أن سيطرة الحكومة على وسائل الإعلام والساحة السياسية، إلى جانب مسألة نفوذ الجيش في السياسة، تلقي بظلال من الشك على نزاهة العملية الانتخابية وشفافيتها.

وبينما أشار تبون إلى مستوى معين من الانفتاح الاجتماعي والاقتصادي، إلّا إن سياساته لا تساهم في معالجة المظالم التي أشعلت شرارة الحركة الاحتجاجية في سنة 2019، والتي دعت إلى المزيد من الحريات السياسية، وإجراءات لمكافحة الفساد، والانتقال نحو دولة مدنية لا يقودها الجيش. ولتأمين دعم أكبر لأجندته، لجأت السلطة إلى تكتيكات وطنية، مثل استحضار شبح العدوان من جانب المغرب المجاور.