الانتخابات الرئاسية التونسية: منافسة هُلامية ومستقبل ضبابي

لا تزال الانتخابات الرئاسية التونسية محط أنظار الخبراء والمختصين والباحثين في الشأن السياسي، وخصوصاً أمام الشروط التي فرضها التعديل الدستوري الأخير، والتي وصفها منافسو الرئيس قيس سعيّد بالمجحفة وغير العادلة.

وكانت هيئة الانتخابات وافقت على ملفات ثلاثة مرشحين للانتخابات الرئاسية، هم: زهير المغزاوي الأمين العام لحركة الشعب؛ رئيس الجمهورية الحالي قيس سعيّد؛ العياشي الزمال القيادي السابق في حزب تحيا تونس، فيما رفضت 14 ملفاً لأسباب مختلفة، وكلها تصب في أنّها لا تتوافق مع الشروط القانونية التي سنها الدستور، وقد اعترض ستة مترشحين لدى المحكمة الإدارية، وهم: عبير موسي، ومنذر الزنايدي، وناجي جلول، وعبد اللطيف المكي، وعماد الدايمي، وبشير العوّاني.

وعلى الرغم من أن هذا الرفض كان متوقعاً منذ البداية ولم يستغربه أحد من المتابعين للشأن التونسي، إلاً أن ذلك شكل نوعاً من الصدمة لدى المواطنين، إذ أنه للمرة الأولى، منذ اندلاع الثورة، يتم قبول ثلاثة ترشحات فقط، وبالتالي تخفيض مساحة الاختيار في السباق الرئاسي، الأمر الذي ولّد سخطاً على الرئيس، من أتباع المعارضة الذين اعتبر معظمهم أن ما يفعله قيس سعيّد هو عملية إقصاء لخصومه السياسيين، لأنّ ترشحهم يعني فشله في الفوز بمدة رئاسية ثانية، لذلك لجأ لتعديل الفصول الخاصة بالانتخاب في الدستور، كخطوة استباقية.

مواقف المعارضة

تعد جبهة الخلاص أكبر تكتل معارض للرئيس قيس سعيّد، فهي تضم كل الفرقاء السياسيين الذين كانوا في فترة ما قبل 25 تمّوز/ يوليو على عداء فيما بينهم، ومنذ الإطاحة بهم تظافرت جهودهم وجهود أتباعهم ضد توجهات قيس سعيّد السياسية، في محاولة لتأليب الشعب عليه، وخصوصاً أن الأخير راهن في خطاباته على الدعم الشعبي، ولا يزال يراهن عليه حتى في الانتخابات القادمة.

فقد رفض المترشحون الذي ينتمي أغلبهم للمعارضة قرار الهيئة العليا للانتخابات، وتقدموا بطعون للمحكمة الإدارية التي رفضت بدورها طعونهم، ممّا حذا بهم إلى وصف هذا الرفض باللاشرعي. واعتبر بعض الناشطين وأتباع المعارضة أن رفض المحكمة للطعون أمر مرفوض وحكم جائر، ووصل الأمر إلى اتهام القضاة بالتواطؤ، كما عبر آخرون عن خيبة أملهم من قرار المحكمة، معتبرين أنّه يعكس حالة الرهبة والخوف التي يوجهها قطاع القضاء بعد حملة العزل التي طالت أكثر من 49 قاضياً في الأشهر الفارطة.

ولم يقف المرشحون المرفوض ترشحهم عن المحاولة، إذ استأنفوا حكم الرفض لدى محكمة الاستئناف،التي ستبت في الأمر في أخر شهر آب/ أغسطس، في قرار سيكون نهائياً وجازماً. جاء هذا التحرك على الرغم الشك الذي تبديه بعض الأطراف السياسية بمصداقية القضاء، على غرار تصريح القيادي في التيار الديمقراطي هشام العجبوني لأحد المواقع الإعلامية، إذ قال “إن رفض جميع الطعون من قبل المحكمة الإدارية يعكس وضع القضاء التونسي الذي تم ضرب استقلاليته من السلطة الحاكمة بموجب المراسيم التي وضعها الرئيس سعيد والتي منح لنفسه بمقتضاها آلية عزل القضاة بجرة قلم”، معتبراً أن “ضرب استقلالية القضاء شمل القضاء الإداري نتيجة تدخل السلطة التنفيذية في الجهاز القضائي كتنصيص سعيّد [في دستوره لسنة 2022 على] أن القضاء وظيفة وليست سلطة، فضلاً عن تخويف القضاة بعد عزل العشرات منهم وتوظيفهم في سجن سياسيين وصحفيين”، الا أنّ بعض رجالات القانون يرفضون مثل هذه الاتهامات ويرتأون انتظار حكم الاستئناف لتبَيُّن مدى استقلالية المحكمة الإدارية من عدمه. ويعد يوم 4 أيلول/ سبتمبر القادم الموعد الفيصل بخصوص أسماء المرشحين النهائيين بعد استكمال الطعون، لتبدأ الحملات الانتخابية المزمع اجرائها يوم 6 تشرين الأول/ أكتوبر.

ضبابية المشهد

ثمّة احتمالين في الانتخابات الرئاسية: أولهما هو فوز الرئيس قيس سعيّد بدورة رئاسية ثانية، وخصوصاً أنه يتمتع بدعم شعبي، وهذا ما يُمكن لمسه من الفيديوهات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يعبر فيها العديد من المواطنين دعمهم اللامشروط واللامتناهي لقيس سعيّد، نظراً لأنه – حسب تصريحات العديد منهم – يحارب الفساد والفاسدين، كما أنهم يؤمنون جلياً بأن التغير يستوجب وقتاً، لذلك فإن إصلاحات الرئيس – حسب تصورهم – يجب أن تتواصل، وهي لن تتم إلاّ من خلال فوزه في الانتخابات الرئاسية. كما يندد أنصاره بأي محاولات لتشويه أو التشكيك في مساره السياسي، ويعتقدون فعلياً في فوزه لسببين هما الدعم الشعبي ومحدودية الاختيار.

أما السيناريو الثاني المحتمل، فهو التفاف أنصار جبهة الخلاص والمعارضة، حول القيادي العياشي الزمال، باعتباره الخيار الوحيد الذي يمكن لهم من خلاله العودة للواجهة السياسية، فهو قيادي سابق في حزب “تحيا تونس”، مما يعني أنه محنك سياسياً، كما أنه مهندس ومستثمر وبالتالي ألديه أفضلية في ظل محدودية الخيار؛ فأهداف مؤسسي جبهة الخلاص وأنصارهم واضحة جداً، وهي خروج المعتقلين منهم من السجن، وكذلك عودتهم للساحة السياسية. وهذا لن يتم إذا فاز قيس سعيّد بالسباق الرئاسي، لذلك سيعمل أنصار الجبهة على بناء قاعدة شعبية من أتباعهم لمناصرة العياشي في الحملة الانتخابية. لكن هذا الاحتمال بدأ في التزعزع، وخصوصاً بعد اعتقال وإيقاف عضوة الحملة الانتخابية للعياشي الزمال السيدة سوار البرقاوي، واستدعاء الأخير للتحقيق يوم 15 آب/ أغسطس بشأن شرعية التزكيات المقدمة في ملف ترشحه، وقد صرحت هيئة الدفاع الخاصة به، أنّ ملف موكلهم مستوفي كل الشروط القانونية، وأن الحاصل معه هو نوع من الهرسلة والتهديد والتضييق على عمل فريق الحملة الانتخابية، ويُعتبر حلقة أُخرى من حلقات تشويه العملية الانتخابية برمتها، وهذا وفقا للبيان الصادر عن هيئة الدفاع عن المترشح العياشي الزمال.

ويرى بعض خصوم قيس سعيّد، أن ما يتعرض له المترشح المنافس له، هو نوع من التأكيد النسبي على أنه الوحيد في هذه القائمة الثلاثية الأولية، القادر على إزاحته، من خلال التفاف كل الفرقاء السياسيين والحقوقيين والمناهضين لسياسة قيس سعيّد خلفه، وهذا ما أدركه الأخير، لذلك فإنّه يحاول إزاحته من السباق الرئاسي، الذي يشكل كل يوم هاجساً للمهتمين بالجانب السياسي في تونس، نظراً لضبابية المشهد، في ظل تسارع الأحداث والمعطيات اليومية للانتخابات ومترشحيها.

لذلك من صعب جداً بناء صورة مكتملة الملامح، فكل شيء جائز ووارد في هذه الدينامية السياسية، بانتظار يوم 4 أيلول/ سبتمبر الذي سيتم الإعلان فيه عن القائمة النهائية للمترشحين، والتساؤل ما لإذا كانت الجولة ستبقى ثلاثية أو رباعية أو حتى خماسية، أم أنها ستمتاز بالهلامية. فالقائمة الأخيرة يمكن أن توضح نوعياً ما سيكون عليه المشهد السياسي في الأيام القادمة، فمثلاً إن تم قبول ترشح عبير موسى أو منذر الزنادي، فإنّ حظوظ سعيّد والزمال ستكون ضئيلة، أمّا عبداللطيف المكي، فحظوظه ضعيفة جداً؛ أولاً: لأنه كان ينتمي للتيار الإسلام السياسي المتمثل في حركة النهضة، وبالتالي فإنه لن يحظى بالدعم الشعبي الذي بات ينفر من كل ممثلي هذا التيار؛ ثانياً، لأن انشقاقه عن حركة النهضة وتأسيسه حزباً آخر، جعله يخسر حتى الأصوات الداعمة والمناصرة للحركة.

ختاماً، قد تحمل الانتخابات التونسية مفاجآت لا يمكن توقعها، بارتقاب ما سيختاره الشعب بعد عشرية فاشلة على جميع الأصعدة، تردت فيها أوضاع المواطنين وتراجعت فيها كل المؤشرات الحيوية للبلاد التونسية.