الانتخابات البلدية في ليبيا عتبة النجاة أم نفق مظلم جديد؟

تستعد ليبيا لإجراء الانتخابات البلدية، التي ستشمل 106 مجالس بلدية، فيما لا يزال البلد يواجه الانسداد السياسي، وأزمة تشكيل حكومة تنفيذية موحدة تتمكن من إطلاق استحقاق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي انهارت في 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021.

المرحلة الأولى من عملية تسجيل الناخبين، انتهت 23 حزيران/ يونيو الجاري، وبعدها تجرى انتخابات المجموعة الأولى التي تشمل 60 مجلساً بلدياً. ومع شهر آب/ أغسطس المقبل، يجري التصويت ضمن المجموعة الثانية، بعد إعلان نتائج المجموعة الأولى، وفق ما أعلنت المفوضية العليا للانتخابات.

ووفقاً للقانون الناظم، فإنّ البلديات التي يفوق تعدادها السكاني 250 ألف نسمة، سوف يتألف مجلسها من 9 مقاعد: 7 مقاعد للفئة العامة؛ 1 للمرأة؛ 1 لذوي الحاجات الخاصة. أمّا البلديات التي يقل تعدادها السكاني عن 250 ألف نسمة، فإن مجلسها سوف يتكون من 7 مقاعد: 5 للفئة العامة؛ 1 للمرأة؛ 1 لذوي الحاجات الخاصة.

انتخابات وجمود سياسي

تحوز الانتخابات البلدية دعم نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة جورجيت غالبون التي رأت أن هذا الاستحقاق يعزز الثقافة الانتخابية وبناء التنمية المستدامة في البلاد، وسط مخاوف من تدني الأمن العام، ولا سيما في العاصمة طرابلس ومدن الغرب، مع انتشار الجماعات المسلحة، وتعدد الولاءات الخاصة بها، الأمر الذي يثير مخاوف عميقة من قدرة المؤسسات والأجهزة المختلفة، على تنفيذ الانتخابات البلدية التي تُعد عتبة ضرورية وحتمية لاختبار مقدرة البلد على تنفيذ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لاحقاً.

وتعاني ليبيا أيضاً من انقسام في مؤسسات الدولة، حيث توجد حكومتان متنافستان: الأولى برئاسة عبد الحميد الدبيبة في العاصمة طرابلس، وتدير غرب البلاد؛ الثانية في الشرق برئاسة أسامة حماد، وهي مدعومة من البرلمان والجيش الليبي.

الانقسام المؤسسي يطاول أيضاً الهيئات التي تشرف على الانتخابات، ففي حين كانت اللجنة المركزية للانتخابات المحلية هي التي تشرف على الاستحقاق البلدي، فإن البرلمان، ومقره شرق البلاد، نقل تبعية الصلاحية إلى المفوضية العليا للانتخابات، في شهر تموز/ يوليو الماضي، في خطوة جاءت بعد أشهر من رفض بلديات الشرق الامتثال إلى قرارات إجراء الانتخابات من قبل اللجنة المركزية للانتخابات البلدية، الأمر الذي يؤكد أزمة غياب حكومة موحدة تدير شؤون البلاد.

ويذهب البعض إلى أن النجاح في تنفيذ الاستحقاق البلدي من دون أزمات، يرتبط بالصعيد الأمني، وهو ما قد يمنح الأطراف المحلية والدولية الفاعلة، القدرة على إنجاز الارتباطات السياسية المرجئة منذ سنوات، وخصوصاً ما يتعلق بتجاوز الانسداد السياسي، وتخطي عقبة توحيد السلطة التنفيذية، فضلاً عن تسمية رئيس للبلد، وتشكيل غرفتي البرلمان. بيد أنّ ثمة خلافات أخرى تمتد نحو ماهية الشروط اللازمة لتسمية المرشحين الرئاسيين.

يذهب الكاتب السياسي عبدالله الديباني، في تصريح خصّ به موقع “التقرير العربي”، إلى أنّه بالنسبة لخارطة الانتخابات البلدية في ليبيا، لا يمكن القول إن العمل على تعطيل هذه الانتخابات وإفسادها يمكن أن يتقاطع مع الاستحقاق الانتخابي الرئاسي أو البرلماني، وكذلك تجاوز حالة الانسداد السياسي.

ويبرر الكاتب الليبي تصوره، قائلاً إن الاستحقاق الانتخابي الرئاسي والبرلماني، تعوقه في الأساس الأطراف السياسية المحلية أولاً، ثم الأطراف الدولية الفاعلة في الشأن السياسي الليبي، وكلا الطرفين يعد مسؤولاً مسؤولية مباشرة عن واقع الانسداد السياسي في البلاد. ويردف الديباني قائلاً إن تحالف هذه الأطراف الدولية مع أطراف محلية في ليبيا، أدى إلى جعل هذا الاستحقاق الرئاسي على وجه التحديد بعيد المنال.

ويلفت الدبياني إلى أن نائبة الممثل الخاص للآمين العام للأمم المتحدة، القائمة بأعمال رئيس البعثة ستيفاني خوري، تحاول تمرير عملية الاستحقاق البرلماني وتوحيد الحكومة، وهي أكدت في إحاطتها الأخيرة، أن “هناك استحقاق يجب أن يكون ويتم”، وأن “الشعب يريد الانتخابات”، ولكن لم تُشر إلى أي انتخابات تقصد، مع أنها عندما وجهت كلمتها إلى لشعب الليبي، عند استلامها لمهامها في أيار/ مايو الماضي، قالت إنّها ستعمل على توحيد الحكومة، وستعمل على استعادة شرعية المؤسسات، والتي تمثل في المجلس البرلماني – البرلمان ومجلس الدولة – وخصوصاً أن المجلسين يشهدان اليوم صراعاً على الشرعية بينهما. لهذا فإنّ تشكيل حكومة توافقية موحدة، أمر قد يأتي لاحقاً خلال آب/ اغسطس القادم.

أمّا بالنسبة للانتخابات الرئاسية، فإنّها تواجه تعقيدات كثيرة وعميقة، مع وجود مرشحين سياسيين ورئاسيين غير مقبولين، ولا توافق عليهم من الأطراف الدولية الفاعلة في الملف الليبي. وبالتالي من الصعوبة بمكان حسم انعقاد الاستحقاق الانتخابي الرئاسي طالما أن تلك الأسماء حاضرة، وتقع ضمن حالة الاستقطاب والصراع الدولي في الجغرافيا السياسية الساخنة داخل الشرق الأوسط.
ويتابع الديباني قائلًا: “النقطة الثانية في تعقيدات الاستحقاق الرئاسي ترتبط أيضاً باسم الرئيس القادم وتحديد هويته، وامتداد ذلك بتخوف الدول الفاعلة، أن يصعد ويصل لحكم بوابة شرق المتوسط، شخص لا يخدم مصالح تلك الدول، سواء ما يرتبط بالجغرافيا الاقتصادية التي تتمتع بها ليبيا، وكذلك حدودها المباشرة مع دول أفريقية وأوروبا تحديداً”؛ وبالتالي سيؤدي وصول شخص غير ملائم لتوجهاتهم إلى خسارة مصالحهم ومكاسبهم في ليبيا، وهذا الأمر سيدفع الجميع إلى العمل نحو الوصول لتوافق جمعي، وإلى انتخابات برلمانية ابتداء وقبل انتخابات الرئاسة.

هنا يطرح الكاتب الليبي سؤالاً عن كيفية التوافق مع مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة على هذه الأمر؟ “ونحن ندرك أنّ مجلس النواب الليبي، ومقره شرق البلاد، ويرأسه المستشار عقيله صالح، والمجلس الأعلى للدولة ومقره العاصمة طرابلس، ويرأسه السيد محمد تكالة، كل منهما له توجهات مختلفة عن الآخر، إذ يعارض النواب حكومة الدبيبة بكل قوة، ويدعم تشكيل حكومة جديدة، بينما يؤيد تكالة والأعلى للدولة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، ممّا يجعل انفراجة الشأن السياسي في ليبيا أمر يحيطه الغموض والتعقيد.”

ويمكن القول إن المبعوثة الأممية ستيفاني خوري، تبحث بشكل جدي تنسيقية جديدة للحوار، تكون على غرار لجنة الحوار السابق، وتصبغها بصلاحيات تشريعية محددة، مثل إضفاء الثقة على الحكومة الجديدة، وإصدار تعديل على القوانين الانتخابية. وبحسب الديباني فإن ذلك سيكون خلال شهر آب/ اغسطس القادم.

أربع سيناريوهات

يمكن توقع سيناريوهات تتعلق بمسار الوضع السياسي في ليبيا، وفقاً لتطور الوضع الدولي، ورؤية الأطراف الفاعلة لمصالحها، وقدرتها على ضبط المؤسسات المحلية، تبعا لتلك الرؤى.

السيناريو الأول والأكثر واقعية: تحرك البعثة الأممية والولايات المتحدة الأميركية، نحو تشكيل تنسيقية حوار جديدة بصلاحيات تشريعية، ترتبط بتشكيل حكومة موحدة مصغرة، يمكنها تنفيذ الاستحقاق البرلماني أولاً، وبعد ذلك التحضير للاستحقاق الرئاسي. ومن المتوقع أن تنته المرحلة الأولى خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من العام الجاري، بينما يكون انتخاب الرئيس خلال العام القادم.

السيناريو الثاني: العمل على دمج الحكومتين في شرق البلاد وغربها، في حكومة واحدة، تكون مسؤوليتها المباشرة تنفيذ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. غير أن هذا السيناريو سيتوقف تفعيله بمدى خروج بعض الأسماء غير المرحب بها من بعض القوى الفاعلة، سيما المرشح المحتمل سيف الإسلام القذافي.

السيناريو الثالث: نجاح المفوضية العليا للانتخابات والمؤسسات العاملة في ليبيا، في تنفيذ الانتخابات البلدية دون أزمات سياسية، وبالأحرى أمنية، وبالتالي دفع الأطراف الفاعلة نحو تمرير القوانين الانتخابية، التي أنتجتها اللجنة المشتركة من مجلسي النواب والأعلى للدولة (٦+٦) وهو السيناريو الأقل ترجيحاً.

السيناريو الرابع: فشل الانتخابات البلدية، وتعثر فك الجمود السياسي، أو فض حالة تضارب المصالح بين الفواعل المحلية والأطراف الدولية المتداخلة في الشأن الليبي، الأمر الذي يدفع نحو استقالة جديدة لمسؤول البعثة الأممية ستيفاني خوري، وفشل مهمتها في تسوية الوضع السياسي وتشكيل حكومة مصغرة، مما يعني وضع البلاد في حالة سيولة ميدانية، وترجيح حالة الاحتراب من جديد، وهو السيناريو الأكثر تشاؤماً ولكنه ليس مستبعداً.