الاحتجاجات الشعبية ومؤشرات الانهيار في سورية

حلت سورية في المركز الثالث على مؤشر “هانكي” للتضخم المالي لسنة 2023 كأسوأ دول العالم التي تشهد تضخماً اقتصادياً ومالياً.

ويشير مراقبون ومحللون اقتصاديون إلى أن القطاع الاقتصادي الحكومي في سورية بدء يشهد انهياراً ينذر بكارثة اقتصادية في مناطق سيطرة النظام السوري، من دون ظهور أي بوادر حكومية حقيقية لمواجهة التضخم.

مؤشرات الانهيار

يرى المحلل الاقتصادي والمحاضر في جامعة اسطنبول التركية محمود الجاسم في تصريح خص به موقع “التقرير العربي”، أنه على الرغم من سعي النظام السوري لمواجهة التضخم عبر زيادة رواتب الموظفين الحكوميين بنسبة 100%، إلا أن فقدان الليرة السورية قيمتها أمام الدولار لم يغير شيئاً من معاناة السوريين من التضخم والأزمة الاقتصادية ووضعهم المعيشي الصعب.

ويضيف الجاسم، أن رفع الحد الأدنى من الأجور ترافق مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وأجور المواصلات، ومع رفع الدعم الحكومي عن المحروقات مثل البنزين والديزل، ليضاف الأمر إلى قائمة العقبات المعيشية والاقتصادية التي تواكب معاناة السوريين من التضخم الذي يشهده البلد.

ويشير الجاسم، إلى وجود عدة مؤشرات اقتصادية وسياسية تؤكد أن الاقتصاد السوري، بل مفهوم الدولة السورية نفسه، وصلا إلى مرحلة الانهيار الكلي الذي أصبح من الصعب تداركه، ومن مؤشراته:

1 – خروج احتجاجات واسعة في مناطق سيطرة النظام السوري لم تتوقف عند المطالبة بتحسين الوضع المعيشي بل تجاوزت ذلك عبر المطالبة بإسقاط النظام وحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم، بحسب الشعارات التي رفعها المحتجون.

2 – تقديم 360 ألف طلب استقالة من القطاعات الحكومية ومؤسسات الدولة السورية، بحسب مصادر محلية من داخل الحكومة، بسبب ضعف الرواتب الشهرية والتي أصبحت لا تكفي للإنفاق ليوم واحد.

3 – موجة هجرة جديدة تتفاقم في مناطق سيطرة النظام بسبب تردي الوضع المعيشي وانعدام فرص العمل وهو ما ينذر بكارثة فقدان الأيدي العاملة والموظفين في المؤسسات الحكومية، وبالتالي إصابتها بالشلل التام وانهيارها.

4 – انخفاض معدل دخل الفرد في القطاع الحكومي السوري، والذي أصبح لا يتجاوز عتبة 14 دولاراً شهرياً، وهذا يلخص وحده صورة انهيار الدولة السورية ومؤسساتها.

أسباب الانهيار الاقتصادي

يرى المحلل الاقتصادي ياسر شهدة، في تصريح لموقع “التقرير العربي”، أن التضخم المالي والانهيار الاقتصادي الذي تشهده سورية حالياً ليس وليد اللحظة بل يعود إلى سنة 2016 التي شهدت إجراءات اقتصادية خاطئة وعوامل سياسية تسببت بالانهيار الاقتصادي.

ويضيف أن هنالك عدة أسباب جوهرية وراء انهيار الاقتصاد والقطاع العام الحكومي في سورية، وهي:

1 – السياسة الاقتصادية الخاطئة المعتمدة من قبل الحكومة السورية في مواجهة انهيار الاقتصاد والتضخم المالي.

2 – فقدان النقد الأجنبي من المصارف الحكومية وارتفاع الديون الخارجية التي تجاوزت عتبة 60 مليار دولار، وخصخصة القطاع العام بعقود استثمار مبهمة البنود والتفاصيل وترتبط بدول خارجية مثال إيران وروسيا.

3 – انهيار الليرة السورية ووصول الدولار إلى عتبة 16 ألف ليرة سورية بغياب أي تدخل من المصرف المركزي لضبط سعر الصرف.

4 – ارتفاع معدلات التضخم المالي والغذائي، والتي بلغت 263 % خلال منتصف 2023، مقارنة بـ 20% في 2011.

5 – هجرة الصناعيين ورؤوس الأموال والتجار وأصحاب المهن والحرف، بسبب الحرب والأوضاع الاقتصادية.

6 – العزلة الاقتصادية التي تعيشها سورية جراء العقوبات وغياب الاستثمارات الاقتصادية الخارجية بسبب الصراع القائم وتأثير العقوبات الدولية التي تُعد عاملاً رئيسياً في تدهور الاقتصاد السوري.

7 –  انهيار القطاعات الصناعية والتجارية والزراعية والسياحية وحرمان حكومة دمشق من واردات النفط جراء خروج آبار النفط عن سيطرتها خلال سنوات الصراع.

حلول اقتصادية مرتبطة باسياسة

يرى شهدة أن الواقع الاقتصادي السوري يرتبط حالياً بالملف السياسي بشكل مباشر، في انعكاس مباشر لـ 13 عاماً من الحرب التي دمرت البلد وتركته في مواجهة التضخم المالي العالمي من دون أي قدرة على المقاومة، وبغياب أي أدوات وحلول مالية حكومية.

ويشير شهدة إلى أنه لا توجد حلول قريبة لمواجهة التضخم المالي في سورية، ويرى أن العامل الرئيسي الذي يساعد في بدء معالجة الأزمة، قد يكون برضوخ الأطراف المتصارعة لإيجاد حل سياسي يقضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي في سورية ينهي العقوبات الأميركية والغربية ويفتح المجال أمام إعادة إعمار سورية وانتعاشها اقتصادياً، على غرار البلدان التي خرجت من الصراعات العسكرية سابقاً وتمكنت من بناء اقتصادات ناشئة.