الاتفاق العسكري بين مصر والصومال أداة جديدة للضغط على إثيوبيا

يتشعب الصراع بين مصر وأثيوبيا، وأساسه مسألة سد النهضة، شيئاً فشيئاً، وينتج اتفاقات واحلافاً لمصالح مشتركة بين أطرافها. فبعد الاتفاق بين أثيوبيا وصومالي لاند على تأجير منفذ بحري لأديس أبابا، والذي رفضته مقديشو وكذلك القاهرة، عمدت هاتان العاصمتان إلى توقيع اتفاق عسكري بينهما، لمواجهة خرق لسيادة الصومال من جهة، واحتمال بروز منافس قوي لمصر في البحر الأحمر من جهة ثانية.

اتفاق أثيوبيا وصومالي لاند

في الأول من كانون الثاني/ يناير 2024، وقعت إثيوبيا وأرض الصومال (صومالي لاند)، وهي منطقة أعلنت انفصالها عن الصومال، اتفاقاً يمنح أديس أبابا حق الوصول إلى شاطئ البحر الأحمر. وبموجب الاتفاق، وافقت أرض الصومال على تأجير شريط ساحلي بطول 20 كيلومترًا لإثيوبيا، لمدة 50 عاماً، مقابل الاعتراف باستقلالها.

الاتفاق التاريخي، لدولة حبيسة بحجم إثيوبيا، والذي يمنحها القدرة على الوصول إلى البحر الأحمر من دون عوائق، واستخدام ميناء بربرة لأنشطة التصدير والاستيراد، وبناء قاعدة عسكرية بحرية، يمثل تحولاً استراتيجياً في موازين القوى في شرق أفريقيا، وخصوصاً لتزامنه مع احتدام الصراع السياسي بين أديس أبابا والقاهرة بشأن سد النهضة، كما أنّه يعني دخول أديس أبابا كطرف فاعل ضمن المجال الجيوسياسي في منطقة البحر الأحمر، ويجعلها لاعباً قويّاً في ديناميكيات المنطقة، ويقلل كذلك من أهمية ميناء جيبوتي، الذي كثيراً ما اعتمدت عليه إثيوبيا.

وتعتبر القاعدة العسكرية البحرية، بمثابة تهديد للتفوق العسكري المصري في البحر الأحمر، إذ اعتادت القاهرة، ولأوقات طويلة، التحكم في مدخل البحر الأحمر وتأمينه، وتطهيره من القراصنة، أو أي قوى معادية، وكانت أحد أسباب تورط القاهرة في حرب اليمن، هي الرغبة في تأمين مدخل البحر الأحمر في الستينيات.

أما الحكومة الصومالية فقد نددت بدورها بالاتفاقية، باعتبارها انتهاكاً لسيادتها وسلامة أراضيها. واستدعت الصومال سفيرها من إثيوبيا، كما وقع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود على قانون يلغي اتفاقية المواني.

وانفصلت أرض الصومال، وهي منطقة تقع في موقع استراتيجي هام، على خليج عدن، عن الصومال في العام 1991، إبان الانهيار الكامل للدولة، واحتفظت المنطقة بحكومتها الانفصالية، على الرغم من افتقارها إلى الاعتراف الدولي.

تحالف مصري صومالي

لجأ الصومال في صراعه مع إثيوبيا إلى مصر، إذ سارع الرئيس الصومالي إلى زيارة القاهرة، في كانون الثاني/ يناير الفائت، وأعلنت القاهرة أنّها تقف جنباً إلى جنب مع الصومال، في نزاعه مع إثيوبيا. كما انتقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الاتفاق الذي أبرم بين إثيوبيا والإقليم الانفصالي، ودعا أديس أبابا إلى السعي للحصول على فوائد من الموانئ البحرية في الصومال وجيبوتي بصورة مشروعة، وليس من خلال محاولات السيطرة على أراضي دولة أخرى.

وقال السيسي في مؤتمر صحفي مشترك، عقده في القاهرة مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، إن مصر لن نسمح لأحد بتهديد الصومال أو المساس بأراضيه، ولا ينبغي لأحد أن يحاول تهديد أشقاء مصر، خاصة إذا طلب منا أشقاؤنا الوقوف معهم.

وكعادته، تحدى رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، القاهرة، وأكد أن الوصول إلى البحر مسألة وجودية بالنسبة لبلاده، وأشار إلى أن البحر الأحمر هو الحدود الطبيعية لإثيوبيا، وأن بلاده ستؤمن وصولها إلى البحر بأي وسيلة، بما في ذلك استخدام القوة.

مصر في المجال الحيوي الإثيوبي

ومع شروع إثيوبيا في إجراءات التخزين الخامس لسد النهضة، بشكل منفرد، كثفت القاهرة من تحركاتها في عمق المجال الحيوي لأديس أبابا، حيث التقى وزير الخارجية المصرية بدر عبد العاطي، في 11 آب/ أغسطس الجاري، بالرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، على هامش حفل أداء اليمين للرئيس الرواندي بول كاغامي. ونقل الوزير عبد العاطي للرئيس الصومالي، التزام مصر بمواصلة دعم سيادة الصومال على أراضيه.

وبعد يومين من هذا اللقاء، وصل الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى مصر، في زيارة رسمية، التقي خلالها الرئيس السيسي، حيث أثمر اللقاء عن توقيع اتفاقية تعاون عسكري لتعزيز التعاون بين البلدين.

وأكد السيسي، عقب مراسم التوقيع، التزام مصر بالحفاظ على وحدة أراضي الصومال ورفض أي تدخل في شؤونه الداخلية. وفي المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد الاجتماع، وصف الرئيس الصومالي الاتفاق، بأنّه شهادة على مستقبل من الدفاع المشترك ضد الإرهاب الدولي، ونموذج لتحقيق السلام والأمن الإقليمي.

وقررت القاهرة كذلك إعادة فتح السفارة المصرية في مقديشو بعد تجديدها، واستئناف رحلات شركة مصر للطيران بين القاهرة والعاصمة الصومالية، وإنشاء فرع لبنك مصر في الصومال. وأكد السيسي موقف مصر الثابت من عدم التدخل واحترام السيادة الوطنية، وقال إنّه مستعد للمساهمة بقوات في قوة حفظ السلام، التابعة للاتحاد الأفريقي المتمركزة في الصومال.

ويمكن القول إنّ القاهرة نجحت في تعويض خروج قواتها من السودان، في أعقاب اندلاع الحرب الأهلية هناك، حيث كانت تلك القوات عامل ضغط على إثيوبيا. ذلك بأن اتفاقية الدفاع مع الصومال، تمنح القاهرة أريحية في نقل خبراء عسكريين وجنود إلى الصومال، في إطار التدريبات المشتركة.

مساران أثيوبيان

يُعرف رئيس الوزراء الإثيوبي بصلابة الرأي، والإصرار على المكتسبات التي تحققت، والسعي للتمدد في المجال المحيط، وهو يعلم جيداً أن القاهرة سوف تتحرك لتطويق نفوذه نحو الشرق، لذا تحرك وفق مسارين: الأول سياسي، حاول من خلاله كسب الوقت، واحتواء غضب الصومال، وفي هذا السياق، جرت جولة من المحادثات غير المباشرة، بين مسؤولين من إثيوبيا والصومال، في تركيا، لكنها انتهت دون التوصل إلى حلول، مع تمسك الجانبين إلى حد كبير بمواقفهما. وقالت مصادر دبلوماسية لوكالة الأناضول، إن المحادثات التي عقدت في أنقرة بوساطة تركيا، لم تتضمن أي لقاءات وجهاً لوجه بين ممثلي الجانبين، بل تضمنت إرسال رسائل عبر وسطاء أتراك.

أمّا المسار الثاني فهو التحرك نحو دعم القدرات العسكرية لإثيوبيا، لردع أي محاولات مصرية محتملة، لاستخدام القوة الخشنة، إذ وصلت موازنة الدفاع الإثيوبية إلى ذروتها في سنة 2023، إلى 1,54 مليار دولار، مع استمرار تطوير القدرات الدفاعية لتأمين سد النهضة.

ونجحت إثيوبيا في الحصول على نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي رافائيل سبايدر، وهو نظام متخصص لديه القدرة على نشر صواريخ حديثة متوسطة وقصيرة المدى؛ لتحل محل أنظمة SA-75 وSA-125 الروسية القديمة. كما تحسنت قدرات الدفاع بشكل كبير بحلول 2023، بفضل إدخال أنظمة الرادار المتقدمة مثل: رادارات ST-68U الأوكرانية وبانتسير-S2 الروسية. وهي مماثلة للنظام الإسرائيلي، لكنها تشمل أيضًا مدافع رشاشة لإسقاط الطائرات بدون طيار. كما طورت أديس أبابا قدرات الحرب الإلكترونية، بما في ذلك أنظمة كراسوخا-4 الروسية؛ لتعطيل العمليات الهجومية المعادية، واستهداف الأسلحة الموجهة مثل الصواريخ والقنابل.

ونجحت إثيوبيا كذلك في الحصول على طائرات طراز مهاجر-6 الإيرانية، ومركبة واندر بي الإسرائيلية الصغيرة من دون طيار، وطائرة وينغ لونغ 2 الصينية، وطائرة بايراكتار تي بي 2 التركية. ووفقًا لموقع ميليتاري أفريكا، فإنّ “إثيوبيا، التي تمتلك بالفعل مدفعية أكثر تقليدية، حصلت في سنة 2023 على صواريخ باليستية صينية الصنع من طراز PHL-03 300، وأنظمة مدفعية صاروخية موجهة من طراز A-200، وصواريخ باليستية قصيرة المدى من طراز M-20. يتراوح مدى هذه الأسلحة بين 150 كيلومترًا (93 ميلاً) و300 كيلومتر (186 ميلاً).

كما شهدت الفترة الأخيرة، قفزة نوعية في القدرات الهجومية للجيش الإثيوبي الذي كشفت أديس أبابا، في كانون الثاني/ يناير الفائت، عن امتلاكه طائرات مقاتلة روسية من طراز سوخوي سو-30 ومسيّرة تركية مقالتلة من طراز أكينجي، القادرة على تنفيذ ضربات بعيدة المدى، تزيد عن 1500 كيلومتر باستخدام حمولة ثقيلة من الذخائر الدقيقة ذات التأثير التدميري الكبير.

تفوق عسكري مصري

وكانت القاهرة التي ألمحت في سنة 2020، إلى إمكانية اللجوء إلى الحل العسكري، في حال الإضرار بحصتها في المياه، ما زالت تتمتع بالتفوق العسكري في مواجهة إثيوبيا، حيث تتفوق بشكل كبير في كل من القوات البرية والجوية. ووفقًا لموقع Global Firepower، يبلغ حجم جيش مصر أكثر من ضعفي ونصف ضعف حجم جيش إثيوبيا، فعدد أفراد الجيش المصري في الخدمة الفعلية يبلغ 440,000، مقابل 162,000 هو عدد جنود الجيش الإثيوبي؛ ولدى القوات المسلحة المصرية 15,998 دبابة قتالية ومركبة مدرعة، أي 31 ضعف العدد في الجيش الإثيوبي البالغ 514 دبابة ومركبة. كما تمتلك القاهرة نحو تسعة أضعاف عدد الطائرات المقاتلة التي تمتلكها إثيوبيا (215 مقابل 24)، و81 طائرة هليكوبتر هجومية مقابل 8 طائرات إثيوبية.

وهناك تفوق بحري ملحوظ لدى القاهرة، التي تملك حاملتي طائرات فرنسيتين الصنع وثماني غواصات. بينما جمدت البحرية الإثيوبية عملياتها في العام 1996 عندما أصبحت دولة حبيسة بعد أن نالت إريتريا استقلالها عن أديس أبابا.

أديس أبابا التي أعلنت في سنة 2018 عن إنشاء قوة بحرية، لحماية تجارتها في منطقة خليج عدن والبحر الأحمر، بمساعدة فرنسية، تفتقر حتى اللحظة للقدرة العسكرية، على حماية القاعدة العسكرية المحتملة في صومالي لاند، وهو ما يمنح القاهرة ميزات إضافية.

الحرب مستبعدة

ختماً، يمكن القول إنه من المستبعد حدوث مواجهة عسكرية شاملة بين الطرفين، لكن القاهرة يمكنها أن تستغل اتفاقها الأخير مع مقديشو، للضغط بقوة إن هي قررت إرسال قواتها إلى الصومال، وفق أي صيغة محتملة، وبشكل غير مباشر، عبر التعاون مع العناصر الإثيوبية الانفصالية من جهة، أو فرض حصار بحري على صومالي لاند، في حال إصرار أديس أبابا على الإضرار بحصة مصر في مياه النيل، وفي جميع الأحوال، يبدو أن جلوس الطرفين إلى مائدة المفاوضات، أمر لا مفر منه، في ظل تعدد أوراق الضغط وفعاليتها لدى كل طرف.