الإخوان المسلمون بين الانقسام الداخلي وحراك 11/11

تمر جماعة الإخوان المسلمين بظرف سياسي بالغ الحرج، ربما لم يحدث طيلة تاريخها، وهي تبدو الآن في حالة سقوط حر، بعد انقسامها إلى جبهات متعددة، دخلت جميعها في صراع مع بعضها البعض، وسط تراشق واتهامات بالفساد وخيانة التنظيم.

وقبل هذا المستجد، عُرفت الجماعة بتماسكها الداخلي، وفق بنية هرمية تقوم على هيكل اجتماعي شبكي شديد الترابط، وبناء اقتصادي ريعي منتظم، تمر من خلاله أوعية الجماعة المالية في الداخل والخارج، تبعاً لنظام دقيق، ويرتكز البناء الفوقي للتنظيم (مكتب الإرشاد) على هذا النسق التبادلي، وفق تراتبية يمنحها الغطاء الديني (البيعة والولاء والبراء) قوة إضافية.

انقسام إخوان الشتات

مع قوة الضربات الأمنية التي تلقتها الجماعة في الداخل، في أعقاب أحداث حزيران (يونيو) 2013، وما تبعها من سقوط الغطاء الشعبي، أصبح التنظيم يدار من الخارج، وسرعان ما تمايز الإخوان إلى مجموعتين رئيسيتين بعد اعتقال الرجل القوي في الداخل، محمود عزت: مجموعة إسطنبول التي يقودها الأمين العام محمود حسين، ومجموعة لندن، التي يقودها نائب المرشد والقائم بالأعمال، إبراهيم منير.

بالتزامن مع ذلك كانت تتشكل مجموعة ثالثة، ربما هي الأكثر راديكالية، وهي مجموعة المكتب العام التي يُطلق عليها أيضاً جبهة التغيير، وتمثل التيار الكمالي، نسبة إلى القيادي محمد كمال الذي قتل في سنة 2016، خلال اشتباكات مع قوات الشرطة. هذا التيار يدعو إلى استكمال المسار الثوري بأيّ صورة، ولا يستبعد المواجهة المسلحة مع النظام، بل إن أفراده تورطوا في عمليات نوعية ضد أهداف أمنية وقضائية، كما أنه يتهم جبهتي إسطنبول ولندن بالتخاذل.

وفي صورة من صور افتراق الكماليين عن المجموعتين الأخريين، فقد أعلنوا في منتصف تشرين الأول / أكتوبر عن تأسيس قناة فضائية جديدة أطلقوا عليها اسم “الحرية 11/11″، لكن عقبات حالت دون إطلاقها حتى كتابة هذه السطور.

وقد ظهر التباين في مقاربة المجموعات الثلاث في التعامل مع دعوات التظاهر في 11 تشرين الثاني / نوفمبر، إذ إن الموقف الرسمي لجبهتي إسطنبول ولندن لم يكن واضحاً، بينما أعلنت جبهة التغيير صراحة مشاركتها في التظاهر، وحرضت عليه.

جدير بالذكر أنّ الجبهة نظمت مؤتمرًا في تركيا، في منتصف تشرين الأول / أكتوبر الفائت، تحت عنوان: “مؤتمر إطلاق الوثيقة السياسية لتيار التغيير في جماعة الإخوان المسلمين”.

وبالتزامن مع وقع الأحداث الساخنة داخل التنظيم، جاءت وفاة إبراهيم منير، نائب المرشد والقائم بالأعمال في لندن، يوم الجمعة 4 تشرين الثاني / نوفمبر، بعد أسابيع من إعلانه تجميد عمله السياسي، وعدم التطلع للمنافسة على الحكم، وسط رسائل مباشرة من قيادات الجبهة، وعلى رأسهم يوسف ندا، إلى النظام المصري، برغبة الجماعة في الانخراط في الحوار الوطني، تمهيداً للمصالحة، وهو الأمر الذي رفضته جبهة التغيير بشكل قاطع، ودعت صراحة إلى “غرس ثقافة الاستبدال، عوضاً عن ثقافة الاصلاح”. وأبرزت الجبهة أهمية ما وصفته بضرورة استكمال الثورة، عبر امتلاك أدوات الصراع ضد العسكر، ذلك بأنه “لا مكان للمستباح عديم الأدوات والوسائل”. بحسب توصيفها.

هل يشارك الإخوان في حراك 11 نوفمبر الجاري؟

لا يمكن الآن الحديث عن الإخوان كفصيل سياسي واحد، له قيادة يأتمر الجميع بأمرها، فالبنية الهرمية سقطت، وبالتالي تمزق الترابط الشبكي على صعيد القاعدة الشعبية، وعليه يمكن تمييز عدة سيناريوهات متباينة للجبهات الثلاث:

1 - جبهة إسطنبول

تتحرك عناصر الجبهة بحذر شديد، تحسباً لردود الفعل التركية، بعد التعليمات التي صدرت منذ أشهر، بتحجيم الخطاب الإعلامي المناهض للحكومة المصرية، في ضوء مساعي أنقرة لتطبيع العلاقات مع القاهرة، والتحقيقات التي قامت بها مطلع تشرين الثاني / نوفمبر مع عدد كبير من عناصر التنظيم، في إثر قيامهم بمخالفة التعليمات، وذلك عقب ساعات من قيام القاهرة بتجميد الاجتماعات الاستكشافية مع أنقرة، بسبب الاتفاقيات التي عقدتها الأخيرة مع حكومة الدبيبة في ليبيا، والخاصّة بالتنقيب عن النفط والغاز.

وتضع المتغيرات الإقليمية الجيوستراتيجية عدة عقبات أمام جبهة إسطنبول: فهي تظل رهناً بما تسمح به السلطات التركية، التي ربما تسعى إلى استرضاء القاهرة ومواصلة المفاوضات معها، عبر استخدام ورقة الإخوان، وهو ما يُفهم من تعليق وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو على القرار المصري بتعليق المفاوضات، إذ قال: “لسنا الطرف المسؤول عن بطء محادثات المصالحة، نحن مخلصون في محاولة تطبيع العلاقات معهم، لكن كما يقولون، رقصة التانغو تتطلب شخصين.”

وعليه فإن جبهة إسطنبول، التي اضطرت بعد إغلاق قنواتها الإعلامية في تركيا، إلى تدشين قناة فضائية جديدة من لندن، لن تشارك، على الأغلب، في حراك 11 تشرين الثاني / نوفمبر، لأنها تفتقد إلى الدعم الخارجي المتمثل في الجانب التركي، وتعاني كذلك من فقدان ثقة القواعد الشعبية الإخوانية في الداخل، بعد أن كشف صراعها مع جبهة لندن عن ضخامة الأوعية المالية التي تملكها، والمخالفات المالية التي حامت حول لجنة مصطفى طلبة، والتي تدير التنظيم شكلاً، منذ قام مجلس الشورى التابع لمحمود حسين بعزل إبراهيم منير الذي رد بعزل حسين وقيادات جبهة إسطنبول.

2 - جبهة لندن

جبهة لندن ليست أفضل حالا من جبهة إسطنبول، فعلى الرغم من تمتعها باعتراف ودعم القيادات التاريخية في الجماعة، مثل يوسف ندا، المفوض السابق للعلاقات الدولية للجماعة، وحلمي الجزار وغالب همت ومحيي الدين الزايط وغيرهم، إلّا أن الوفاة المفاجئة لإبراهيم منير في هذا التوقيت، تسببت في ارتباك الجبهة، وسط تقارير تؤكد أن منير طالب قبيل وفاته بساعات بالتعامل مع حراك 11 تشرين الثاني / نوفمبر بشكل إيجابي، لكن تصريحاته الأخيرة بعدم المشاركة في العمل السياسي، تطرح مصداقية الجبهة على المحك.

وجاءت خلافة محيي الدين الزايط مع منير، لتطرح تساؤلات هامة حول طبيعته الشخصية، باعتباره أحد المحرضين فيما سبق على العنف، الأمر الذي دفع السلطات المصرية إلى إدراجه على قوائم الإرهاب، لكن طبيعة المهمة المؤقتة تفرض عليه محاولة ترتيب الأمور الإدارية داخل الجبهة، وفتح خط جديد لكسب ود الإدارة الديموقراطية في الولايات المتحدة، بعد أن خاب رهان إبراهيم منير على إدارة بايدن. لكن المتوقع أن تنتظر الجبهة وتتريث قبل أن تقدم على أي موقف رسمي، فإذا حدث حراك ثوري، يمكن لها أن تترقب تطوره لتشارك في لحظة صعود أي مد جماهيري، مثلما حدث في 25 كانون الثاني / يناير 2011. ومن المتوقع في البداية أن تكون تصريحاتها حذرة ومتدرجة، وربما تصرح للموالين لها بمشاركة جزئية، لكن أثرها سوف يظل باهتاً على صعيد الأحداث.

3 - جبهة التغيير (الكماليون)

ربما أصبح الكماليون الجبهة التي تمثل الجناح الثوري الوحيد داخل الإخوان، وربما شرعت هذه الجبهة بالفعل في تنظيم مجموعات صغيرة للانتشار بحسب تعليمات محددة للتحريض وتأجيج الشارع، مدفوعة بطابعها الراديكالي العنيف، وهو أمر تؤيده تصريحات قيادات الجبهة، إذ قال يحيى موسى، المدرج على قوائم الإرهاب: “العالم مضطرب كما لم يحدث من قبل، وإرهاصات التغيير تتجلى في كل زاوية منه، والفرصة مواتية للشعوب المقهورة لو كان فيها قيادة جديرة.” وأضاف: “ملتزمون بتكدير حياتهم ما كان في العمر بقية.” بينما شبه المتحدث الإعلامي باسم الجبهة، محمد منتصر، النظام الحاكم في مصر بالاحتلال، مطالباً بتحرير البلاد منه.

وربما تتخلل الأحداث بعض العلميات الإرهابية، لإحراج النظام، وخصوصاً أن الدعوة إلى التظاهر تزامنت مع قمة المناخ التي نظمتها مصر في شرم الشيخ، وشارك فيها رؤساء وزعماء العالم.

الخلاصة

كخلاصة، فإن الشارع المصري، بشكل عام، وعلى الرغم من الإحباط الاقتصادي، لا يأبه بدعوات التظاهر، لكن ضغوطات الوضع الراهن قد تدفع البعض إلى الانخراط ضمن تحركات محدودة وبعيدة عن المركز. فقد تشهد المناطق البعيدة في الصعيد، أو المناطق الشعبية المهمش القريبة، بعض التظاهرات، وقد تشارك بعض التيارات اليسارية، مدفوعة بقناعاتها، لكن إجهاد المواطن العادي، وتجربة يناير القاسية، فضلاً الاحتياطات الأمنية المحكمة، وكذلك توجس المواطن العادي من اندساس عناصر إرهابية، كلها عناصر تضع احتمال حدوث حراك واسع محل شك.

وعلى صعيد إخوان الداخل، فإن القواعد التنظيمية للإخوان منهكة جداً، وحتى الأسر التربوية التي لا تزال تمارس أنشطتها سراً، غير قادرة على القيام بأي حراك، فضلاً عن معاناة أهالي آلاف المعتقلين من الإخوان في السجون طيلة سنوات طويلة، ونداءات شباب الجماعة المتكررة واليائسة لقياداتها بالتدخل، وسط اتهامات لهذه القيادات بالتخلي عن الشباب والمتاجرة بهم، من أجل مصالح شخصية.

بناء على ما سبق، يمكن القول إّه باستثناء التيار الكمالي المحدود، من المستبعد أن تُحرك جماعة الإخوان ساكناً، إلّا إذا حدث حراك على نطاق واسع، على غرار حراك كانون الثاني / يناير 2011، وهو أمر مستبعد لعدة معطيات محلية وإقليمية، وخصوصاً بسبب غياب المزاج الشعبي العام.