الأيقونة السورية تجمع الفن والدين في لوحة واحدة

الأيقونة السورية او ما يسمى بـ “الصورة المقدسة”، فن رافق وجود الديانة المسيحية ليصبح جزءاً رئيساً في الكنائس والأديرة ودور العبادة وفي بيوت العامة، اقتبس أفكاره وموضوعاته وشخوصه من الكتاب المقدس، ومن غيره من الكتب التي تحتوي على موضوعات تستحق أن تتجسد في صورة أيقونة.

وشكل هذا الفن قوة وفكراً جمالياً لا يستهان بها، عبر مزجه بين المظهر الطبيعي الظاهر للعيان، ومظهر رمزي سري يحاكي النفس، من خلال الرسم والألوان وفق قواعد محددة.

فن الأيقونة

فن الأيقونة هو مصطلح متعارف عليه بالكنسية الشرقية للدلالة على الصور المقدسة، والتي ساهمت في توضيح تعاليم الكنيسة لعامة الشعب، ولاسيما الأميين، وتذكير المثقفين بأسس العقيدة الدينية ومراميها اللاهوتية والإيمانية”.

وتشير الدراسات والبحوث العلمية إلى أن فن الأيقونة المسيحي ترعرع في بلاد الشام، وجذوره ضاربة في أعماق التاريخ التي تعود إلى الفن ما قبل المسيحية (العصرين اليوناني والروماني)، وتأثر بسلفه الفن السوري الوثني من خلال أسلوب التصوير والرسم، وكان له وظيفية تعليمية لشرح محتوى الفكر الديني السائد فيما يتعلق بالفداء والخلاص والرجاء، وغيرها من خلال سرد حكايات قديسييها ونساكها، بعد أن نزعت عن ذلك الفن تعاليمه ورموزه الوثنية، لتسبغ عليها تعاليمها ورؤاها الجديدة الناتجة عن مزيج حضاري أنتجته شعوب هذه المنطقة وأسست لتقاليد أخذها الغرب عن السوريين الذين شكلوا مركز ثقل العالم القديم، فأنتجوا فناً مسيحياً في سورياً انسجم مع كل ما أورثوه من عبادات وفنون، وأعادوا إنتاجه بحلة روحية مثالية مفعمة بروح الشرق وتم تصديره إلى العالم المسيحي كفن سوري متكامل الهوية.

تجسيد التاريخ المسيحي

شكلت الأيقونات التي زينت جدران الكنائس كتابا مفتوحا تضمنت أحداث التاريخ المسيحي والرموز الدينية كتضحية الحمل الإلهي، وطبيعة السيد المسيح الإلهية والدينية، ثم العقائد والشعائر والطقوس المسيحية، فيما بقيت الوسائل المادية التي اتخذها هذا الفن هي نفسها التي اتخذها فن التصوير السوري منذ القرن الثالث الميلادي.

وشملت الأيقونات أيضاً أحداث يذكرها العهد القديم، مثل مشاهد النبي إبراهيم وهو يهم بالتضحية بابنه إسماعيل، والنبي دانيال في فم الأسد، وكذلك أحداث ذكرت في الإنجيل مثل طفولة السيد المسيح ومعجزاته وصلبه، كما اهتم الفنانون بتمثيل الانبعاث وحساب اليوم الآخر، ومراحل حياة السيدة العذراء كموتها ودفنها، إلا أن أكثر المواضيع تمثيلاً كانت حياة السيد المسيح منذ البشارة فالميلاد فالتعميد والدخول إلى القدس، فالصلب والدفن، فالانبعاث والصعود إلى السماء.

وتعد الرسوم الجدارية في كنائس دورا أوربوس، من أهم الرسومات الجدارية الموجودة في سورية والتي تشكل الجذور الأولى لفن الرسم المسيحي وتقدم الأصول الحضارية الباكرة للنهضة المسيحية اللاحقة بالفن البيزنطي، مشكلة امتداداً طبيعياً وزمنياً وفنياً للبيئة الفنية السائدة آنذاك في سورية خلال القرون الماضية، ويتضح ذلك بشكل خاص في رسوم المدافن التدمرية ولاسيما ما هو موجود في مدفن الأخوة الثلاث العائد للقرن الثاني.

المظهر ورمزية اللون

تظهر الصور المقدسة وفق فن الأيقونة بمظهرين: مظهر خارجي طبيعي يبدو للعيان، ومظهر رمزي سري يحاكي النفس، تبرز معانيه من خلال الألوان لأن للألوان لغتها الرمزية وللتصوير دلالته المعنوية.

وترى الدراسات أن المسيحيين الأوائل قد استفادوا من مصادر عديدة أظهرت تلك الرموز واعتمدوها تعبيراً عن إيمانهم فمن الوثنية مثلاً أخذوا السفينة رمزاً للكنيسة، والطاووس رمزاً لجمال الفردوس، ورمز السمكة يدل على السيد المسيح، ومن الرموز المرساة، والحمامة، وهذه الرموز وتلك المعاني ماثلة على الدوام نصب عيني المصور المسيحي البيزنطي.

وللألوان مكانة ودلالة مهمة يلتزم بها رسامو هذا الفن، فالأحمر القاني يوحي بالحياة الدنيا لأنه لون الدم، ولون النار التي تذكر بالثواب والعقاب في آن معاً، والبني يشير إلى التقشف والزهد، والأخضر هو لون الطبيعة وتجددها الذي يشير إلى التجسد الإلهي في السيد المسيح، في حين أن اللون الأزرق بدرجاته هو لون ملوكي يوحي بالمجد والقدرة، أما اللون الأسود فيوحي بالغياب والموت والجحيم، فيما يرمز اللون الأبيض إلى الطهارة، وإلى توهج النور الإلهي، اللون البنفسجي رمزاً للتوبة، وهو رداء رجال الدين، كما هو رداء المسيح في أثناء عذابه، أم الأخضر فهو تمثيل لمعاني الخير والنماء، فهو لون الحقول.

الالتزام بمبادئ الرسم واللون

لكل أيقونة مدلولات عقائدية وتعليمية تنعكس من خلال عناصرها الأساسية مثل الخلفية، الوجه، الأنف، الفم والشفاه، العينان، الأذنان، اللحية، اليدان، وغيرها.

ويحرص رسامو الأيقونة على الالتزام بمبادئ الرسم واللون في إظهاره لقدسية الأيقونة بدءاً من الخلفية المذهبة التي تبدي نورانية مطلقة، والتي ترمز إلى مجد الملكوت الذي تأتي الأيقونة منه وفقاً للغة تقنية النور، أو ما يسمى بخلفية اللوحة، وهذه الخلفية الذهبية ترمز إلى عالم القديسين الذين يطلون من النور والأبدية التي يوحي بها اللون الذهبي الذي يعد سيد الألوان ومحورها السري والرمزي والذي غالباً ما يدل على الألوهية ساطعة الضياء.

ويراعى في رسم الوجه أيضاً الشكل الذي يجب أن يظهر به القديس داخل الأيقونة والوضع الذي يجب أن يكون عليه الوجه وكأنه ينظر إلى مشاهده بشكل مباشر بحسب الوجه، ففي بعض الأيقونات تظهر وجوه الشخوص بالأيقونات بثلاثة أرباع الميلان، إذ لا نجد وجوه القديسين في وضع جانبي انطلاقاً من أن الإنسان الروحي لا يستطيع أن يحضر بغياب إحدى العينين، فيما تغيب الوضعية الخلفية للرأس ويحافظ الوجه على حضوره،

ويعمد راسم الأيقونة إلى إظهار قدسية الوجوه فأظهر أنف السيد المسيح وأنوف القديسين على شكل خط مستقيم طويل ورفيع كخيط مضيء يربط الفم بالعينين دون ظلال، لأن النور الإلهي يلغي كل ظل، ويبدو الأنف على حالته هذه أنه مختص بشم رائحة العبير الروحي عبر دقته وصغره.