ارتفاع الدين العام في الأردن تحد أمام التنمية

شكل ارتفاع حجم الدين العام في الأردن ووصوله إلى مستويات قياسية بلغت أكثر من 60 مليار دولار تحدياً كبيراً وعائقاً أمام تحقيق نمو اقتصادي يسهم في تحقيق رفاهية المجتمع.

ويثير هذا التطور العديد من التساؤلات أهمها تأثيره على الاقتصاد الأردني الذي يعاني من مشاكل جمّة، وسبب عدم قدرة الحكومات المتعاقبة على لجم ارتفاع الدين العام، وعن الإجراءات الحكومية الممكنة التي من شأنها أن تحد من ارتفاعه؟

مستويات قياسية

مع اقتراب انتهاء فترة الحكومة الأردنية الحالية برئاسة بشر الخصاونة، والتي تعتبر من أطول الحكومات حكما في عهد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، زاد حجم الدين العام منذ منتصف 2020 وإلى الآن أكثر من 12 مليار دولار، ليرتفع مجمل الدين العام الأردني إلى أكثر من 60 مليار دولار، أي ما يزيد عن 115 % من الناتج الإجمالي المحلي للمملكة، والذي يصل إلى قرابة 43 مليار دولار سنوياً.

وأظهرت بيانات البنك المركزي الأردني أوائل شهر آب/ أغسطس أن الحكومة اقترضت أكثر من 4,2 مليارات ينار أردني كسندات وأذونات خزينة، أي ما يزيد عن 5,9 مليارات دولار.

وعلى الرغم من ان قانون الدين العام في الأردن يسمح بأن تصل هذه النسبة إلى 80% فقط، إلا أن حجم الدين استمر في ارتفاع منذ تولي العاهل الأردني سلطاته الدستورية في سنة 1999، عندما سجل وقتها نحو 7,7 مليار دولار، فقط.

كورونا

جملة من القضايا في السنوات الأخيرة ساهمت في ارتفاع الدين العام في الأردن أهمها، انتشار فيروس كورونا في العالم بدءاً من سنة 2020، الأمر الذي أحدث ضرراً شديداً بالاقتصاد الأردني، وتسبب بارتفاع معدلات البطالة وبتدني نمو الاقتصاد، وخصوصاً في قطاع الخدمات وإيرادات السفر والسياحة وغيرها.

كما أدت الجائحة إلى انكماش الاقتصاد الأردني بنسبة 1,6 % في سنة 2020.

تحديات أمنية وسياسية

فضلاً عن جائحة كورونا، ساهمت عدة عوامل في ارتفاع حجم المديونية في الأردن، منها: استضافته مئات آلاف اللاجئين السوريين والضغط الذي سببه ذلك على الموارد والخدمات الاجتماعية والبنى التحتية؛ التحدي الأمني على الحدود الشمالية والشرقية للمملكة وعمليات تهريب المخدرات والسلاح وغيرها؛ سبب عالمي هو الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها العالمي الكبير.

العدوان الإسرائيلي على غزة

ومن العوامل التي ساهمت في ارتفاع حجم المديونية في الأردن، العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة وتأثير ذلك على الاقتصاد الأردني.

فقد شهدت معظم القطاعات الاقتصادية في المملكة، والتي تشكل الخدمات والتجارة والسياحة والمطاعم والنقل ركائزه الأساسية، تباطؤاً ملحوظاً. وتشير الاحصائيات الرسمية إلى أن إيرادات القطاع السياحي تراجعت ما بين 6 الى 7%، فيما يشكك البعض بصحة هذه الأرقام ويقول انها أكثر بكثير، في وقت تشكل فيه السياحة 21% للإيرادات الخارجية بالنسبة للأردن.

وقد تسببت تلك التأثيرات السلبية بانخفاض في الإيرادات الضريبية للحكومة، الأمر الذي شكل ضغوطاً إضافية على عجز موازنة الدولة، وفاقم مشكلة الدين العام.

تداعيات كبيرة

ولارتفاع الدين العام في الأردن تداعيات كبيرة على الاقتصاد الوطني، وخصوصاً أنه يترافق مع معدلات نمو اقتصادي منخفضة خلال العقد الأخير لم تتجاوز بالمتوسط 2,6%، ومحدودية الموارد الطبيعية والأراضي الزراعية ومصادر الطاقة.

وبالمجمل فإن تلك العوامل تجعل الحكومة غير قادرة على تمويل المشاريع التنموية والاستثمارية الأساسية القادرة على دعم الاقتصاد لتحقيق انتعاش اقتصادي يساهم في حل المشاكل التي تواجهها البلاد، كانخفاض مستويات المعيشية وارتفاع معدلات البطالة التي تقارب حالياً 22 %، والتضخم، وغير ذلك.

كما أن ارتفاع خدمة الدين يفرض على الحكومة الأردنية تخصيص ما نسبته خُمس الموازنة لسداد فوائد الديون، وهذا بدوره يؤثر بطريقة غير مباشرة على النمو الاقتصادي من خلال تراجع الانفاق العام على الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية، ويؤثر سلبا على رأس المال البشري.

توقعات

شكلت معالجة حجم الدين العام في الأردن أولوية لدى الحكومات المتعاقبة إلا أنها لم تتمكن إيجاد حل له، وبقيت إجراءاتها شكلية تجميلية لم تستطيع من لجم ارتفاعه، إذ استمرت في الاستدانة عبر سندات واذونات الخزينة لسداد ديون سابقة وتغطية عجز الموازنة.

هذا الأمر سيمثل تحدياً أمام الحكومة الأردنية الجديدة التي ستتشكل بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهو في غاية الأهمية خاصة في ظل تفاعل مجموعة من العوامل كالوضع الداخلي، والعدوان الإسرائيلي على غزة وتداعياته على الساحة الأردنية، والتطورات الإقليمية والدولية.

إن معالجة الدين العام يجب أن تكون وفق خطط مدروسة لإيجاد حل مستدام لمعالجة هذه المشكلة وليس التحايل عليها، وهذا يعتمد بشكل أساسي على تحفيز الاستثمار وخلق بيئة مناسبة لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وزيادة الإنتاجية، بالإضافة إلى تبني برنامج إصلاح اقتصادي يسهم في تحسين كفاءة الانفاق العام واتباع سياسة ضريبية عادلة وغيرها.

إن استمرار ارتفاع الدين العام وتأثيره السلبي على الاقتصاد بشكل عام له تداعيات كبيرة قد تسفر عن حدوث توترات واضطرابات اجتماعية وسياسية تؤثر على استقرار المملكة التي تعيش في محيط إقليمي ملتهب.