احتجاجات السويداء واحتمالات فقدان النظام السيطرة

اندلعت في 4 كانون الأول / ديسمبر احتجاجات شعبية من مدينة السويداء وسط حالة من الغليان والاحتقان جراء تردي الوضع المعيشي وسوء الخدمات والفساد المستشري في مؤسسات الدولة السورية، والذي لم يقتصر على هذه المدينة، بل شمل جميع مناطق سيطرة النظام السوري.

واحتجاجات السويداء لم تكن الأولى، إذ شهدت المحافظة مظاهرات واحتجاجات شعبية خلال العامين الماضيين، نتيجة شعور سكان المحافظة بالتهميش وانتشار الفساد الإداري، ولكن الملفت هذه المرّة أن الاحتجاجات كانت أكثر عنفاً، وارتدت بُعداً سياسياً، أظهره إحراق مبنى المحافظة وتمزيق صور الرئيس السوري بشار الأسد وترديد هتافات تطالب بإسقاط النظام السوري، وتصدي أجهزة الأمن السورية المحتجين بإطلاق الرصاص الحي وقتل أحد المحتجين، في مشهد أعاد لأذهان السوريين احتجاجات سنة 2011 التي أدخلت البلاد في صراع عسكري امتد عشرة أعوام من حرب، خفت حدتها، لكنها لم تضع أوزارها بعد.

ماذا يُميّز السويداء؟

من المعروف أن محافظة السويداء واحدة من المحافظات التي بقي للنظام السوري تواجد فيها، ولم تشهد صراعاً دموياً مثلما حصل في مُعظم المحافظات السورية. فغالبية سكان المحافظة هم من العرب الدروز، مع أقليات سنية ومسيحية، وبالتالي لم تشهد مشاحنات طائفية كثيرة، فضلاً عن احترام السكان رأي مشايخ الطائفة الدرزية الذين لعبوا دوراً في عدم الانجرار إلى لعبة الحرب، وتشكيل زعاماتها السياسية على اختلاف آراءهم السياسية، سواء إلى جانب النظام أو معارضته، مجموعات مسلحة اتفقت، ولو من دون اتفاق مكتوب أو مسبق، على حماية المحافظة، وهذه كلها أمور حالت دون انجرار المحافظة إلى آتون الحرب، وبالتالي لم تُدمر قراها وبلداتها ومدنها مثلما حصل في حلب وحمص ودرعا ودير الزور وغيرها من المناطق السورية.

وعلى الرغم من تسجيل صدامات في سنة 2015 بين مجموعة “رجال الكرامة” التي أسسها الشيخ أبو فهد وحيد البلعوس، مع مليشيات تابعة للنظام، فإن ذلك لم يؤدي إلى حرب شاملة في المحافظة، حتى عندما اغتيل الشيخ أبو فهد، واتهمت مليشيات النظام باغتياله، فإن المحافظة لم تنفجر، وبقي نفوذ للنظام فيها، وإن  كان بشكل محدود، إلى أن غزت عناصر من تنظيم داعش المحافظة في سنة 2018، فعادت المليشيات التابعة للنظام، بمؤازرة من قوات النظام، إلى المحافظة لقتال التنظيم الإرهابي، وعاد نفوذها الى المحافظة، مثلما كان الأمر قبل اغتيال البلعوس.

خطورة أحداث السويداء

السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا يُمكن أن تُشكل أحداث السويداء الأخيرة، خطراً على قدرة النظام على السيطرة، بينما تمكن النظام، ولو بدعم إقليمي ودولي، من البقاء خلال حرب دموية شملت أرجاء البلد ودامت قرابة عقد من الزمن؟:

  1. كما سبق وذكرنا، فإن أول خطر يمكن الإشارة إليه، هو أن محافظة السويداء لم تشهد معارك كبيرة ضد النظام، وتُعد من المناطق غير المعادية له، إن لم نقل إن فيها قدراً كبيراً من الولاء المصلحي للنظام. ومثلما حال التعاضد الاجتماعي دون دخول المحافظة في آتون حرب، فإن هذا التعاضد نفسه قد يقود إلى صدام مع النظام.
  2. الأزمة الاقتصادية التي تضرب أنحاء البلد، لا تُفرق بين منطقة تحت نفوذ النظام أو خارجه، وبات السوريون يعيشون تحت خط الفقر، فيما المواد الأساسية مفقودة أو أسعارها فوق قُدرة المواطنين الاستهلاكية، والفساد يزداد انتشاراً، وبالتالي فإن احتمالات الانفجار واردة ليس فقط في السويداء، إنما على امتداد مناطق نفوذ النظام، ولن تنفع مساعي النظام ووسائل إعلامه بوصف المحتجين بأنهم عملاء للخارج وخارجين على القانون ومخربين، وفق بيان عن وزارة الداخلية، فالمحتجون هم من رحم النظام، أو ممن هم ليسوا على عداء معه.
  3. عدم تجاوب النظام مع مطالب الأهالي التي تمثلت بمحاسبة المسؤولين عن إطلاق النار على المتظاهرين، وإقالة المسؤولين عن تردي الأوضاع الخدمية، وتحسين الوضع الأمني. فهذه المطالب التي قدمها وفد من السويداء للمحافظ بسام بارسيك واجهها الأخير، وفق مقطع فيديو مسرّب نشره موقع “السويداء 24″، بتهديد الوفد بالاحتكام للخيار الأمني لوأد الاحتجاجات، الأمر الذي دفع الوفد للانسحاب من الاجتماع من دون التوصل إلى اتفاق.

وقائع واحتمالات

تشير الوقائع والتطورات إلى صعوبة إيجاد حل للأزمة التي بدأت في السويداء، وإلى احتمالات انتقالها إلى مناطق أُخرى، وسط ظروف خارجية وداخلية تضع مسألة قدرة النظام على السيطرة موضع شك:

  1. في مقابل تعنت محافظ السويداء وعدم موافقته على تلبية أبسط المطالب وتهديده بقمع الاحتجاجات بالقوة، فإن الوفد الشعبي، هدد بالاحتكام إلى السلاح ونزول الفصائل المحلية إلى الشارع. وقد تجددت الدعوات الشعبية إلى الأضراب العام وقطع الطرقات في مدينة السويداء خلال الأيام المقبلة، حتى تلبية المطالب.

وتوقع الصحافي السوري نورس عزيز، دخول حركة “رجال الكرامة” على خط الأحداث الجارية في المحافظة، إما للتهدئة أو التصعيد، مع محاولة إيجاد آلية جديدة للتعامل مع الملفات العالقة بين أهالي السويداء والنظام السوري من جهة أخرى، وبالأخص الوضع الخدمي والمعيشي. كما توقع أن يكون هناك تصعيد من قبل النظام السوري خلال الفترة المقبلة.

  1. رقعة الاحتجاجات قد تشمل مناطق ومدن جديدة، وخصوصاً أن السوريين في مناطق سيطرة النظام السوري يعيشون أزمات متلاحقة: نقص مستمر في المواد الأساسية، وارتفاع الأسعار، وتدني قيمة الليرة السورية إلى مستوى تاريخي.

ووفق توقعات الصحافي عزيز، لن يقتصر الأمر على محافظة السويداء فقط، وذلك جراء الوضع الأمني والمعيشي المتردي الذي يعيشه السوريين في مناطق سيطرة النظام السوري، من دون دلائل على وجود حلول قريبة لمعالجة الوضع الحالي. فمدينة جاسم في محافظة درعا المحاذية لمحافظة السويداء تعيش حالة من الاحتقان الشعبي وقطع طرق، وسط مطالب الأهالي بإطلاق سراح المعتقلين في سجون النظام السوري منذ أعوام، على الرغم من الوعود خلال الأعوام السابقة بإطلاق سراحهم. وبحسب وجهاء مدينة جاسم، فإن ما تشهده مدينة جاسم من قطع للطرقات ليس إلا شرارة أولى لانطلاق احتجاجات أوسع تعم المدينة في حال لم يَفِ النظام السوري بوعوده في إطلاق سراح المعتقلين. أما في العاصمة السورية دمشق، فقال موقع صوت العاصمة المحلي، أن أسواق دمشق وشوارعها تشهد انتشاراً كثيفاً لقوات الأمن السوري وسط دعوات شعبية للتظاهر ضد سياسات النظام الاقتصادية والواقع المعيشي المذري.

  1. ملامح بداية انتهاء مفاعيل سياسة فرّق تسد، التي اتبعها النظام، وقد ظهرت تلك الملامح في مصالحة وجهاء محافظتي درعا والسويداء. وقالت صحيفة “العربي الجديد” (11/11/2022)، أنه “بعد توتر تخللته اشتباكات وعمليات خطف متبادلة، توصّل وجهاء من محافظتي درعا والسويداء، جنوبي سورية [في 9/11/2022]، إلى اتفاق مصالحة، وسط ارتياح شعبي، في مقابل انزعاج ضمني من النظام السوري والمليشيات الموالية له، إذ قضى الاتفاق بإبعاد قوات النظام عن المنطقة موضع النزاع. وبموجب الاتفاق أخلى عناصر اللواء الثامن الذي يقوده أحمد العودة، والتابع للفيلق الخامس المدعوم من روسيا، النقاط العسكرية المنتشرة في بلدة القريا، جنوبي السويداء، على الحدود الإدارية مع محافظة درعا.”
  2. النظام محاصر وتُفرض عليه عقوبات دولية فيما حلفاء النظام الإقليميين والدوليين يعيشون أزماتهم: روسيا وحربها في أوكرانيا، وإيران والاحتجاجات الاجتماعية المتواصلة منذ أكثر من شهرين، وحتى من دون تلك الحرب وهذه الاحتجاجات، فإن موسكو وطهران عاجزتان اقتصادياً عن مساعدة النظام.

ورأى الخبير الاقتصادي حيان حبابة، في تصريح لموقع “التقرير العربي”، أن الحل الوحيد للأزمة الاقتصادية التي تعيشها مناطق سيطرة النظام السوري هو انصياع النظام السوري للقرارات الدولية وتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2254 الذي يتضمن تشكيل هيئة حكم انتقالية في سورية، مرتبطة برفع العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية عن سورية.

واعتبر أن من أهم أسباب الانهيار الاقتصادي، فضلاً عن العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام السوري تفشي الفساد في مؤسسات الدولة السورية، وغياب شبه تام لموارد الدولة النفطية والتي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية شمال شرق سورية، فضلاً عن الدمار الذي لحق القطاعين الصناعي والزراعي خلال سنوات الصراع.