إيران في سورية بين الطموح والتحديات

تعرضت إيران والميليشيات المرتبطة بها داخل سورية خلال الأشهر الماضية إلى ضربات جوية إسرائيلية وأميركية مكثفة استهدفت شخصيات عسكرية ومستشارين من الحرس الثوري الإيراني فضلاً عن استهداف مستودعات للذخيرة ومصانع عسكرية ومعسكرات للتدريب، في هجمات لم تشهدها القوات الإيرانية داخل سورية منذ تدخلها العسكري سنة 2012.

وتزامنت الاستهدافات الأخيرة المتكررة من قبل الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل للمصالح الإيرانية في سورية مع اندلاع حرب غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر وعلى خلفية تعرض القوات الأميركية شرق سورية لهجمات صاروخية من قبل الميليشيات المرتبطة بإيران وهجمات شهدتها الأراضي الإسرائيلية من قبل تلك الميليشيات.

ويفتح تكرار الضربات الجوية الإسرائيلية والأميركية باب السؤال حول تأثير تلك الضربات على التواجد الإيراني داخل سورية ومدى فعاليتها وماهي الخيارات الإيرانية لمواجهة تلك الضربات.

تأثير الضربات الجوية

على الرغم من اشتداد الضربات الجوية على القوات الإيرانية داخل سورية خلال الأشهر السابقة إلا أن القوى الإقليمية والدولية لا يبدو أنها تسعى لتقليص دور إيران داخل سورية عسكرياً، وأنما لمحاربة تنامي الدور الإيراني وعدم السماح لطهران بتشكيل مخاطر حقيقية مستقبلاً.

 

واستهدفت الضربات تلك مواقع محددة ترى الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل أنها تشكل خطراً للأمن القومي الإسرائيلي والتواجد الأميركي في سورية تتمثل في:

أولا: استهداف الشخصيات البارزة التابعة للحرس الثوري الإيراني في سورية، والتي بدأت منذ حرب غزة بلعب دور إقليمي أكبر في كل من سورية ولبنان والعراق، الأمر الذي شكل خطراً على إسرائيل و قوات الولايات المتحدة الأميركية في سورية.

ثانياً: استهداف المصانع العسكرية التي تشرف عليها إيران في سورية، والتي تختص بتطوير الأسلحة الصاروخية والطائرات المسيرة التي استهدفت فيها الميليشيات المرتبطة في إيران داخل سورية القواعد الأميركية شرق سورية أكثر من مرة، فضلاً عن استهدافها بالطائرات المسيرة الأراضي الإسرائيلية ونقلها بعد تصنيعها في سورية إلى قوات حزب الله اللبناني المنتشرة جنوب لبنان على الحدود مع إسرائيل.

ثالثاً: استهداف شاحنات الأسلحة الإيرانية القادمة من العراق إلى سورية ولبنان وما تحمله تلك الشاحنات من أسلحة متطورة تراها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل أنها تشكل خطراً كبيراً في حال استخدامها من قبل الميليشيات الإيرانية ضدها في سورية ولبنان.

تطوير الأسلحة داخل سورية

يرى الباحث السياسي وائل علوان في حديثه لـ”موقع التقرير العربي”، أن إيران تمتلك القدرة على تطوير أسلحتها وأنظمتها بما يشكل تهديداً على إسرائيل، لكن طالما أن هذه القدرة لاتنقل إلى سورية فإن إسرائيل في مأمن وعندما تنقل إلى سورية وعندما يكون تطوير هذه الأسلحة في سورية، فإن إسرائيل تتعامل مع الأمر بشكل مباشر، وهذا ماحصل فعلاً عبر استهداف مصانع لتطوير تلك الأسلحة داخل سورية أكثر من مرة.

الخيارات الإيرانية

بالنظر إلى الخيارات الإيرانية في مواجهة الضربات الجوية الإسرائيلية والأميركية على قواتها في سورية، فإن إيران لا تملك أي أوراق قوة عسكرية تقف تلك الهجمات، حتى أن إيران أصبحت تعتمد خلال الأشهر السابقة على خيارات تقليدية محدودة لمواجهة تلك الضربات المتكررة.

ويرى الباحث في الشؤون الإيرانية مصطفى النعيمي رداً على استفسار من “موقع التقرير العربي”، أن الخيارات الإيرانية لمواجهة الضربات الإسرائيلية والأميركية في سورية تتمثل في:

أولا: أن الضربات الجوية لا تستهدف طبيعة الوجود الإيراني وطبيعة الإنتشار الإيراني وحجمه، إذ إنها تستهدف أهدافاً نوعية، علماً بأن إيران تتعامل مع الموضوع بالتمويه وتغيير المقرات، وتبقي المقرات المكشوفة أهدافاً تقليدية لكي تكون هدفاً عملية القصف الجوي في حين أنها تستمر بشكل دائم بإنشاء مقرات جديدة.

ثانياً: تعمل إيران على تخفيف تواجد الشخصيات البارزة في الحرس الثوري الإيراني في سورية بعد تلقيها الضربات الجوية الأخيرة وتقوم بنقلهم بشكل دوري بين اللبنان والعراق لابعادهم عن شبح الاستهداف الإسرائيلي.

ثالثاً: تقوم إيران خلال الأشهر الأخيرة بتخفيف حجم قواتها العسكرية الرسمية في سورية كفيلق القدس والحرس الثوري، وتستبدلهم بعناصر من ميليشيات محلية سورية وعراقية ولبنانية وأفغانية بإعداد مضاعفة عن حجم قواتها الرسمية.

مستقبل التواجد العسكري الإيراني

بعد معرفة حجم تأثير الضربات الجوية الإسرائيلية والأميركية على المصالح الإيرانية في سورية ومعرفة خيارات إيران لمواجهة تلك التحديات والضربات، يبرز السؤال الأهم وهو هل فعلاً بدأت إيران تشكل خطراً على القوى الدولية والإقليمية المتداخلة في سورية؟

هنا تكمن الإجابة على السؤال وتلخيص مستقبل الدور الإيراني وأهدافه بعدة نقاط بارزة أهمها:

أولاً: إيران تدرك أن مصلحتها تقضي بأن لا تشكل قواتها في سورية خطراً على المصالح الأميركية ولا على الأمن القومي الإسرائيلي، لكنها تدرك أيضاً أن من مصلحتها أن تثبت أنها قادرة على تشكيل هذا الخطر وأن بإمكانها أن تكون بالفعل مصدر قلق بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية ولإسرائيل، فهناك فرق دقيق بين أن تكون إيران فعلاً تشكل خطراً للأمن القومي الإسرائيلي بوجودها في سورية وبين أن تكون قادرة على أن تكون تهديداً وبالتالي تفاوض على ذلك.

ثانياً: إيران تفاوض الولايات المتحدة الأميركية وتفاوض إسرائيل على المكتسبات ولا يعتقد أن إيران في يوم من الأيام تفكر بأن تشكل تهديداً للقوى الكبرى في المنطقة أو تشكل تهديداً مباشراً للوجود الروسي أو تشكل تهديداً مباشراً للولايات المتحدة الأميركية وكذلك لإسرائيل بمعنى أن تدخل في مواجهة مباشرة استراتيجية.

ثالثاً: أن الفراغ المتمثل في غياب الدول العربية من لعب أي دور في سورية كما حصل في العراق سابقاً، وهو ما سمح لإيران في لعب دور إقليمي وإيجاد نفسها كلاعب أساسي يحقق مكاسب جيوسياسة مقابل الدول الكبرى في سورية والمنطقة عموماً، وعودة الدول العربية للعب دور إقليمي أكبر في سورية قد يشكل تهديداً مباشراً لطبيعة التواجد الإيراني في سورية وتدرك إيران ذلك الأمر، لذلك عملت خلال السنوات الماضية على إقصاء أي دور عربي قد يؤدي إلى تشكيل تهديداً لطمواحتها ومصالحها في سورية.