إعصار درنة وثمن سقوط ليبيا في مربع الدولة الفاشلة

تسبب الإعصار دانيال بدمار هائل، طال مساحات واسعة من شرق ليبيا، وخصوصاً في مدينة درنة التي غرق أكثر من ربعها وتلاشى، فضلاً عن سقوط آلاف الضحايا. أما ما فاقم من كارثة درنة، وجود سد وادي درنة الكبير بارتفاع 40 متراً، وسد درنة الثاني اللذين تسبب الضغط الهائل للمياه ولأسباب فنية في بنية السدين في انهيارهما، وتدفق كميات ضخمة من المياه المحملة بالطين، الأمر الذي ضاعف القدرة التدميرية، فابتلعت الفيضانات المدينة، وجرفت معها كل ما يقف في طريقها، وكل معالم المدينة، ولا سيما أن درنة بخصوصيتها الجغرافية، كانت سبباً رئيسياً في حجم الكارثة التي جرت، فهي تتكئ على الجبل الأخضر وتقابل البحر المتوسط.

وقد وثق الهلال الأحمر الليبي في بنغازي نزوح 20 ألف عائلة من درنة، وآلاف المفقودين، في أكبر كارثة طبيعية تحل على ليبيا، منذ زلزال المرج سنة 1963.

الجيش الوطني الليبي

المتحدث الرسمي باسم الجيش الوطني الليبي التابع لسلطات شرق ليبيا، اللواء أحمد المسماري، قال إن عدد الضحايا في مدينة درنة “كبير جداً، لأن ربع المدينة بات في البحر”، مشيراً إلى أن السيول جرفت المدينة القديمة التاريخية نحو البحر. وأشار المتحدث باسم الجيش الذي أسسه ويقوده المشير خليفة حفتر، في تصريحات إعلامية إلى أن “هناك أحياء بالكامل بسكانها وبأبنيتها ذات الخمسة والستة والسبعة طوابق، جرفت باتجاه البحر في مدينة درنة”، مؤكداً أن “الجيش الليبي منتشر في كل المناطق المنكوبة، وفقدنا الاتصال بعدد من الجنود والضباط، الذين يقومون بعمليات البحث والإنقاذ في درنة.”

وقال إن “القيادة العامة للجيش الليبي وضعت كل إمكاناتها للمساعدة في عمليات البحث والإنقاذ، من إدارة النقل والإدارات الطبية، والوحدات القتالية كلها تشارك في العمليات.”

وأشار المسماري إلى أن عمليات البحث ما زالت جارية في الأودية، وعند مصبات هذه الأودية عند البحر، لكنه أوضح أنّ هناك “صعوبة في عمليات البحث في البحر بسبب تغير لونه إلى اللون الترابي”، بفعل السيول.

وبشأن التقارير التي تحدثت عن أن من أسباب الكارثة ضعف البنية التحتية، أكد المسماري أن ذلك لم يكن السبب، بل “لأنّ مدينة درنة تقع في مجرى وادي درنة، الذي يرتفع حوالي 400 متر عن سطح البحر، والذي حدث أن الأمطار والسيول زادت المياه في الوادي، وبالتالي تشكلت موجة سيول ضخمة جداً، توجهت نحو الأحياء السكنية في المدينة”.

ولفت المسماري إلى وصول فرق بحث وإنقاذ وصيانة محلية من كل المناطق الليبية، من طرابلس والمنطقة الغربية والجنوبية، كما وصلت فرق من شركة الكهرباء والاتصالات إلى درنة.

كارثة وحكومتان بلا دولة

حكومتا طرابلس وبنغازي تسابقتا في رفع راية كارثة درنة، فأعلنت حكومة أسامة حماد المكلفة من البرلمان الليبي في شرق ليبيا، في 11 أيلول/ سبتمبر، درنة “مدينة منكوبة”؛ وفي غرب ليبيا، من أعلنت حكومة الوحدة الوطنية، منتهية الولاية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، المدن المتضررة من الفيضانات والسيول “مناطق منكوبة”.

تأتي هذه الكارثة الإنسانية، في ظل حالة من الانقسام السياسي تعرفها ليبيا منذ سنوات، وبحكومتين في الشرق وفي الغرب، الأمر الذي يطرح تساؤلاً عمّا إذا كانت كارثة الإعصار ستنجح في توحيد الصف الليبي، والقضاء على حالة الانقسام السياسي التي يعيشها البلد، أم ستعزز من هوة التشرذم وحالة الاستقطاب التي تتجاذب القوى الفاعلة.

بالطبع فإن الأزمة السياسية سابقة للكارثة، غير أن الحدث المرعب يلزم الجميع بتجميد مظاهر التشتت لتوحيد الجهد الإنساني والإغاثي، سواء الرسمي من قبل الحكومتين، والمواطنين، حيث تحركت قوافل المواطنين والوزارات المعنية لرفع آثار الكارثة وتخفيف فاجعة المواطنين.

الدبيبة، دعا على ضرورة تخطي الخلافات السياسية والانقسامات في ليبيا، ومساعدة المناطق المنكوبة. وفي المقابل دعت هيئة رئاسة مجلس النواب أعضاء المجلس إلى الجلسة الطارئة التي تُعقد في مقر مجلس النواب في مدينة بنغازي لمناقشة الوضع، مشيرة إلى أنه سيتم اتخاذ ما يلزم من إجراءات عاجلة، لمواجهة آثار هذه الكارثة.

فشل سياسي وتضامن اجتماعي

يمكن القول أنه من الصعوبة بمكان أن تُحدث كارثة الإعصار أيّ تقارب سياسي بين القوى الوازنة، بل ربما يُمكن تصور أن الأمر الجلل سوف يضاعف من حدة الخلافات السياسية، إذ إن الإشارات الأولى لردود الفعل التي تأتي من السياسيين، سواء من جهة الشرق أو الغرب، لا تشي سوى بمساع لتوظيف سياسي يقوم باستغلال تلك الكارثة الإنسانية، في إطار الاستقطاب والصراع السياسي بين القوى الفاعلة، والجهات المحتشدة من خلفها، وذلك تحسباً لكافة التعقيدات التي من الممكن أن تنتج عن المأساة التي خلفها الإعصار، وارتباطاً بتطور النظرة الدولية لضرورة فرض نسق الاستقرار، وتنفيذ الاستحقاق الانتخابي.

في المقابل، وعلى مستوى التفاعل الإنساني بين المواطنين، بدت نواتج الأزمة تظهر أشكال التضامن والتفاعل الإنساني، وأواصر الارتباط المجتمعي بين المواطنين في الشرق والغرب، الأمر الذي كشف عن جهود شعبية ضخمة لتقديم كافة أشكال الدعم والمساندة، وبعيداً عن الارتباط العائلي والقبلي الذي يميز المجتمع الليبي.

إن واقع الأحداث خلال الأيام الأخيرة، وما بدت عليه تصريحات القيادات السياسية، منحت المواطنين في ليبيا الفرصة للتعبير عن ذواتهم، وهو ما ارتبط بشواهد التضامن فيما بينهم، مع ظهور الروابط والفرق التطوعية في أرجاء البلاد شرقاً وغرباً؛ لدعم المتضررين.

إنّ إعصار دانيال، وسياق السياسة والاستقطاب والصراع بين القوى الفاعلة في الداخل الليبي، أبعد مدينة درنة بكاملها خارج الجغرافيا التي عرفتها لسنوات طويلة، وكشف كيف كان ثمن سقوط ليبيا في مربع الدولة الفاشلة مروعاً، وباهظ التكلفة على المستويات كافة .