إدارة أزمة مياه في الجزائر بحلول مؤقتة

شح المياه الذي تعاني منه الجزائر حالياً، والذي  يتزايد مع تدني معدلات سقوط الأمطار وارتفاع درجات الحرارة وانخفاض منسوب المياه في السدود التي تمد المدن الكبرى بالمياه، يفترض سياسات وإدارة مغايرة للأزمة التي تطاول عدة بلدان في شمال إفريقيا، لا سيما على مستوى الاقتصاديات، وذلك نظراً لكون الأزمة تتخطى التأثير على قطاعات هائلة في المنطقة الجنوبية الغربية من البلاد، تحديداً في فترات الصيف بفعل الجفاف، إلى كونها تفاقم أزمات النظام بين المواطنين، وتتسبب في شحن المتضررين وتعبئتهم، بما يتسبب في خروج تظاهرات متكررة.

وتسعى الجزائر إلى حل هذه الأزمة، من خلال اعتماد تقنيات جديدة، للحيلولة دون استمرارها أو تفاقمها، بتأثيراتها المتباينة، وذلك من خلال تحلية مياه البحر، وبناء السدود. وليس ثمة شك أنّ التقنيات الملحة لحل هذه المعضلة، لا تبدو سهلة أو ذات فعالية نهائية، ولاسيما في ظل المتغيرات المناخية، وشح الموارد المائية، وذلك نتيجة عدم عدالة توزيع الموارد المائية في البلد الواقع على جنوب البحر المتوسط.

تضرر قطاع الزراعة

بحسب الأرقام الرسمية، فإنّ أزمة شح المياه تنتج آثاراً سلبية على قطاع الزراعة الذي يحتاج لنحو 7,4 مليار متر مكعب، أمّا قطاع الصناعة فيصل الاحتياج لنحو 0,3 مليار متر مكعب. وتلبي السدود احتياجات الجزائر من مياه الشرب، بنسبة 22%، فيما تضمن الآبار نسبة 60%، والمياه المحلاة 18%، وسترتفع في سنة 2024 إلى 42%، وفق بعض الإحصاءات.

وبينما سعى النظام للملمة تداعيات أزمة المياه، ومعالجة الاحتجاجات سريعاً، فإن الحلول المؤقتة مثل نشر الصهاريج، لن تفيد في تهدئة الأوضاع، طالما بقيت الحلول النهائية غائبة، فضلاً عن أن تدني توزيع المياه في المناطق المهمشة، يُفاقم المشكلة، مثلما يحصل في بجاية وفي المدن الكبرى مثل وهران.

فمنطقة القبائل في بجاية تقع تحت وطأة أزمة تكاد مأساوية، بحسب مصادر تحدثت لموقع “التقرير العربي” حيث سبق للاحتجاجات الأخيرة أن بلغت حداً وصل إلى أعمال شغب وعنف أدت إلى غلق الطرق. وفي آيار/ مايو الماضي، واجهت الحكومة أعمال ترقى إلى تكون عمليات عنف على خلفية قطع المياه، وقد أعلن الرئيس عبد المجيد تبون أنه طلب من الحكومة، وتحديداً وزيري الداخلية والموارد المائية، اللقاء بنشطاء المجتمع المدني وتهدئة غضب المواطنين.

بدوره، قال المدير العام للشركة الجزائرية للطاقة محمد بوطابة، بالتزامن مع تلك الأحداث الاحتجاجية، إن البلاد ستنتج نحو 3,7 مليون لتر مكعب يومياً من المياه المحلاة مع نهاية العام الحالي، وبالتالي سوف تُغطى الفجوة بنسبة 42%، ويفي ذلك بجزء من احتياجات المواطنين البالغ عددهم قرابة 47 مليون نسمة. وأضاف بوطابة أن الجزائر تسعى للوصول إلى نحو 5,6 مليون متر مكعب يومياً من المياه المحلاة، مع مطلع سنة 2030. مضيفاً في حديث مع وكالة “رويترز” أن الجزائر “استثمرت 2,1 مليار دولار، وتخطط لضخ 2,4 مليار دولار أخرى لتنفيذ خطتها.”

نقص غير مسبوق

قبل نحو عام ذكر تقرير للبنك الدولي، أن الشعوب في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تعاني من نقص في المياه، وهو نقص غير مسبوق، بينما حاول تقديم مجموعة حلول ومقترحات، لإدارة الموارد المائية، فضلاً عن الإصلاحات الهيكلية المؤسسية لتخفيف الضغوط المائية.

وفي التقرير المعنون بـ “اقتصاديات شح المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ــ حلول مؤسساتية”، أوضح أنّه مع نهاية العقد الحالي، ستنخفض كمية المياه المتاحة للفرد سنوياً، عن الحد المطلق لشح المياه، والبالغ 500 متر مكعب للفرد سنوياً. ووفق التقديرات الواردة في التقرير، فإنه بحلول سنة 2050، ستكون هناك حاجة إلى 25 مليار متر مكعب إضافية، من المياه سنوياً، لتلبية احتياجات المنطقة. ويعادل ذلك إنشاء 65 محطة أخرى لتحلية المياه، بحجم محطة رأس الخير في المملكة العربية السعودية، وهي الأكبر في العالم في الوقت الحالي. وتابع: “وفي الغالب تتسم المؤسسات التي تدير حالياً توزيعات المياه بين القطاعات المتنافسة – لاسيما بين الزراعة وبين سكان المدن – بأنها شديدة المركزية والتكنوقراطية. وهذا يحد من قدرتها على حسم الاختيارات في استخدام المياه على المستوى المحلي. وإعطاء صلاحيات أكبر بشأن قرارات تخصيص المياه للسلطات المحلية، يمكن أن يؤدي إلى إضفاء الشرعية على الاختيارات الصعبة في استخدام المياه، مقارنة بالتوجيهات من القمة إلى القاعدة من الوزارات، وكل ذلك في إطار إستراتيجية وطنية للمياه”.

فيما قال فريد بلحاج، نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “يشكل نقص المياه تحدياً خطيراً للحياة وسبل العيش، حيث يتنافس القطاع الزراعي والمراكز الحضرية على هذا المورد الطبيعي الثمين وأنظمة توزيعه.” وأردف بلحاج، “هناك حاجة إلى نهج جديد لمواجهة هذا التحدي، بما في ذلك تفويض المزيد من التحكم للسلطات المحلية في كيفية إدارة توزيع المياه.”

وكانت بلدان المنطقة ضخت استثمارات كبيرة في البنية التحتية الجديدة، في الماضي، مثل تخزين المياه باستخدام السدود، ووجدت طرقاً للاستفادة من موارد المياه الجوفية الكبيرة، وزيادة واردات ما يوصف بـ “المياه الافتراضية” من خارج المنطقة، من خلال استيراد الحبوب وغيرها من المنتجات، التي تتطلب زراعتها وإنتاجها كميات كبيرة من المياه.

وأدى هذا النهج إلى زيادة الإنتاج الزراعي وإمكانية الحصول على إمدادات المياه وخدمات الصرف الصحي في المدن، لكن التقرير الصادر عن البنك الدولي يشير إلى أنّ هذا النهج التوسعي في تنمية وتطوير موارد المياه، يواجه الآن حدوداً ستتطلب من البلدان المفاضلة بين اختيارات صعبة. وتابع: “وتوقفت فرص توسيع قدرات تخزين المياه عند مستوى ثابت، ويتم حاليا الإفراط في استغلال المياه الجوفية، وسيترتب على ذلك عواقب سلبية على جودة المياه، وسيؤدي استيراد “المياه الافتراضية” إلى جعل البلدان عرضة لمخاطر الصدمات العالمية.

ويوضح التقرير أنه بالمقارنة بالاستثمارات السابقة في تخزين المياه باستخدام السدود وفي المياه الجوفية، فإنّ تكاليف الاستثمار في مصادر المياه غير التقليدية – مثل تحلية مياه البحر وإعادة تدوير واستخدام المياه المستعملة – تعد أعلى بكثير، وهو ما سيزيد من الضغوط على الموارد المالية للبلدان”.

شبح حروب المياه يطل برأسه

يتفق في والرأي ذاته، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، حيث يقول إن المنطقة الرابطة بين الجزائر وتونس وليبيا بها احتياطيات كبيرة من المياه الجوفية، قد تكون ملاذ هذه الدول الوحيد لمواجهة أزمة ماء قاسية في المستقبل، كما يمكن أن تكون برميل بارود يهدد بتفجير حروب ثنائية، إذا لم تتوصل الحكومات إلى اتفاقيات واضحة وعادلة تقضي بتقسيم هذه المياه الجوفية. بينما تدفع أزمة الجفاف، التي تضرب منطقة شمال أفريقيا عموماً، الحكومات المحلية إلى التفكير في استغلال خزان المياه الجوفية المشتركة بين الدول الثلاث، خاصة في ظل المؤشرات الحمراء التي تتهدد المصادر التقليدية لمياه الشرب والسقي في المنطقة، وهو ما يهدد الحياة برمتها في شمال أفريقيا.

كما أدرجت تقارير أممية، عُرضت بمناسبة قمة المناخ التي احتضنتها مصر مؤخراً، دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في خانة الدول المهددة بموجة جفاف وأزمات ماء وغذاء؛ بسبب التغيرات المناخية التي يعرفها العالم في السنوات الأخيرة.

غير أنّ أكبر مؤشر على الخلاف حول المياه الجوفية في حوض غدامس، هو توجه الجزائر لاستغلالها في استخراج الغاز الصخري، وقاد تراجع هطول الأمطار إلى تراجع لافت في مستويات تخزين المياه على السدود، وهو ما أثّر على المنتجات الزراعية القائمة على ضفاف العديد من الأودية المشتركة، وخصوصاً بين الجزائر وتونس وحتى داخل كل بلد على حدة. وأقامت الجزائر سد عين الدالية على وادي مجردة بسعة 75 مليون متر مكعب، وقد دخل الخدمة في سنة 2017، وهناك سد ثان على الوادي لم يدخل الخدمة بعد وسعته 35 مليون متر مكعب، وهما مخصصان لمياه الشرب. وهناك سد ثالث موجه للسقي جنوب ولاية (محافظة) سوق أهراس.

المركز نقل عن مصادر جزائرية قولها إنه لا داعي إلى هذه التخوفات، مشيرة إلى أنّ مصادر المياه المشتركة بين الجزائر وتونس، لاسيما منبع سوق أهراس ووادي مجردة، محكومة باتفاقيات ثنائية، وأنّ السدود المشيدة في المحافظات الشرقية الجزائرية لا تؤثر في منسوب المصب؛، فهي إلى جانب أنها لم تدخل حيز الخدمة، وهي لا تعتمد على نفس المصدر وحده في التموين بالمياه.