إخوان الجزائر والبحث عن دور بعد الانتخابات
على الرغم من أنه أمر كان متوقعاً، لا يزال فوز فوز عبد المجيد تبون، في الانتخابات الرئاسية الجزائرية، يثير جدلاً من جهة جماعة الإخوان التي تمثلها حركة مجتمع السلم (حمس) التي تشكل أكبر كتل المعارضة في البرلمان.
فوجود الجماعة في السباق الانتخابي، على الرغم من ممانعتها خوضه سابقاً، إذ ينم عن برغماتية تتحلى بها، وخصوصاً أن المشاركة تمت ضمن شروط العملية السياسية وتوازناتها المختلفة، لم يكن أكثر من دور إسنادي لتبون المرشح الأوفر حظاً، وجعل السباق مواجهة شكلية لا تبدو مآلاتها خطيرة.
لكن يبدو أن إخوان الجزائر تسعى لخلق صراع وصدام جديدي عبر تشكيكها في النتائج، والمطالبة بلجنة تحقيق من البرلمان للكشف عن نزاهة العملية الانتخابية من عدمها، لا سيما مع التصحيح الكبير الذي اضطلعت به المحكمة الدستورية بفارق بلغ نحو أربعة ملايين صوت.
بعد صدور النتائج، قالت كتلة “حمس” البرلمانية المعارضة، إنّ ما حدث في الانتخابات الرئاسية يقتضي فتح تحقيق برلماني من خلال تشكيل لجنة برلمانية، وفق ما يتيحه الدستور في إطار تفعيل آليات الرقابة ومحاسبة المتسببين فيه، وضمان عدم تكراره. وأضافت حمس “ما حدث في الانتخابات الرئاسية من تجاوزات وعبث، يعتبر بنص القانون جريمة انتخابية، تستهدف استقرار البلاد أمام العالم، وتشويهاً للعملية السياسية والانتخابية المتعلقة بأعلى منصب في الدولة؛ بغية تأزيم الأوضاع الداخلية والسير بالبلاد نحو المجهول.”
الاقتصاد أهم الملفات
من الملفات المهمة التي تبرز، مع بداية الرئيس تبون ولايته الثانية، الملف الاقتصادي بأعبائه، وخصوصاً أن الرئيس أعلن حملة على ما وصفه بـ” لوبيات الاستيراد”، وطالب رئيس البرلمان إبراهيم بوغالي، النواب بضرورة دعم مشروع الرئيس الاقتصادي، الذي يقود إلى التنمية والبناء الديمقراطي.
الرئيس بدأ في مخاطبة الرأي العام، بشكل ربما يكون شعبوياً بعض الشيئ، مؤكداً أنّه لن يسمح باختلاق الندرة في السوق مهما كانت أسبابه، وأنّه سيبدأ في محاربة لوبيات الاستيراد الذين يحاولون ابتزاز الدولة. مشدداً على ضرورة إنهاء تراخيص الاستيراد، فور إثبات تورطهم. وقد أشار تبون إلى جهوده لتنظيم عملية التجارة الخارجية، بما فيها عمليات التصدير، التي تتطلب دراسات جدوى مالية واقتصادية دقيقة للسوق الوطنية والدولية، حتى لا يتحول التصدير إلى نقمة ومصدر للندرة والاختلال في السوق المحلية.
تُخاطب هذه التصريحات شرائح اجتماعية عديدة، وخصوصاً الفئات الدنيا والمتوسطة التي تعاني ارتفاع الأسعار نتيجة التلاعب بالسوق وندرة بعض السلع، بما يؤدي إلى تضاعف أسعارها نظراً لشح توفرها. ولهذا، شدد بوغالي في خطابه الأول المتزامن مع تدشين درة تشريعية جديدة على أنّ الواجب يفرض علينا، مساندة الرئيس، بتكثيف الجهود وتوحيدها، وتدعيم قدرات البلاد، نحو المزيد من التنمية.
مخاوف إخوانية وخلافات
يتخوف الإخوان من جملة إجراءات اقتصادية وسياسية يباشرها الرئيس تبون، قد تخفض من وجودهم الاجتماعي، وتعيق البنى السياسية التي يتم الارتكاز عليها، وتوفر لهم فواعل اجتماعيين، فضلاً عن تحصين اقتصادياتهم المختلفة، كما تبدو أوراق الضغط لـ “حمس” من جهة تسريع وتيرة الوصول لصيغة تشاركية في الحكم، أو الكشف عن نيات الرئيس بعد دورهم الوظيفي في الاستحقاق الانتخابي الرئاسي؛ كجبهة إسناد مؤقتة! بعد ممانعتها لذلك منذ منتصف تسعينات القرن الماضي.
وعلى ما يبدو فالرئيس الجزائري بعمل على الابتعاد عن الكتل السياسية التقليدية، ويهدف إلى مشاغلة الأطراف السياسية من خلال إعلانه عن حوار وطني مفتوح، وبدء تحركات مكثفة لبناء ديمقراطية حقيقية. وهو أمر دعائي أكثر منه واقعي، حيث ترتبط البنية السياسية في الجزائر بجملة من التعقيدات المؤسساتية والقبلية، تجعل من هذا التحول أمراً شديد الصعوبة.
من جهة أخرى، فإنّ ضغوط الحركة الإخوانية بشأن مزاعم التزوير، تتزامن مع وسائل عديدة لجذب قطاعات شعبية وحزبية نحو الاصطفاف معها، إذ إن عزوف الأحزاب السياسية الكبيرة عن مطالب “حمس” بفتح تحقيق قضائي، يبدو واضحاً، بالتزامن مع العزوف الشعبي المتزايد عن المشاركة في الانتخابات.
وفي مسعى لاجتذاب حلفاء، أكدت حركة مجتمع السلم ضرورة فتح صفحة جديدة في التعامل مع قضايا الرأي والتعبير والحريات، من خلال إصدار عفو عن نشطاء الرأي والتعبير، لافتة إلى الحاجة إلى إصلاح سياسي وقانوني عميق للقوانين الناظمة للحياة السياسية، وفي مقدمتها قانون الانتخابات، وقانونا البلدية والولاية، واستعجال الإصلاح القانوني والمؤسسي للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، برؤية توافقية تعيد الاعتبار والمصداقية للعملية الانتخابية.
ويبدو أنّ الحركة المحسوبة على الإخوان، تريد تحقيق مجموعة من المكاسب، تهدف من خلالها إلى فتح المجال العام السياسي، نحو مزيد من التمدد، لكنها في الوقت نفسه، تواجه مجموعة من الخلافات الداخلية، وتحاول احتواء جناح الأمين العام السابق عبد الرزاق مقري، الرافض لسياسات الأمين العام الحالي حساني شريف.
في المحصلة ترجع الخلافات والتناقضات داخل البيت الإخواني الجزائري، إلى رغبة “حمس” في إيجاد مسار جديد لبناء تحالفات مع الحكومة، وجني المكاسب السياسية، بينما ثمة أطراف أخرى ترغب في البقاء داخل دائرة المعارضة، على رأسها جبهة مقري، ولاسيما أن الطرف الأخير يستند في وجهة نظره إلى مشاركتها السياسية سابق بالحكومة لم تمنح الحركة قدرة على أن تكون صاحبة قرارات نافذة داخل دائرة الحكم، وإنما كانت مشاركة تجميلية للنظام ليس إلّا.