أزمة حركة النهضة التونسية بين توقيت المؤتمر وضغوط سعيد

فتح قرار فرض الإقامة الجبرية على رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبدالكريم الهاروني قوس التأويلات السياسية بين الحركة والرئيس قيس سعيد، وخصوصاً أن توقيت القرار حظي بدلالات كبيرة، مرة بتوقيته قبل موعد اجتماع مجلس شورى الحركة بيوم واحد، الأمر الذي دفع كبار القيادات في بيان الحركة وجبهة الخلاص بربط ذلك القرار بشروحات تراها تستقر صوب استهداف القيادات التاريخية والعمل على إحداث فراغ داخلي في الحركة، وشل قدراتها على تنظيم المؤتمر، خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، ومرة أخرى بأن القرار يأتي في سياق نهج يتسق مع رؤى الرئيس التونسي، والذي دأب عليه منذ لحظة قرارات 25 تموز/ يوليو 2021.  كما أنه يتفق مع مضمون حديث سعيد الذي حذر فيه مراراً من تنفيذ القانون بحق من أضر بتونس وشعبها وفرط في حقوقه خلال عقد كامل وسمي بـ “العشرية السوداء”.

يدعم ذلك الاتجاه قرار الأجهزة الأمنية التونسية مع منتصف ليل 5 أيلول/ سبتمبر بتوقيف نائب رئيس الحركة منذر الونيسي ونقله إلى ثكنة أمنية غير معلومة بحسب بيان رسمي نشرته الحركة عبر حسابها الرسمي على الفيسبوك، وكذلك توقيف رئيس الحكومة الأسبق والأمين العام الأسبق حمادي الجبالي في ثكنة العوينة.

ثمة مسار في ذهن الرئيس التونسي قيس سعيد لتفعيل المحاسبة القانونية بحق عدد كبير من قيادات النهضة التاريخيين، وتوقيفهم على ذمة قضايا تتعلق بأمن الدولة وتسفير الشباب لبؤر التوتر ومناطق الإرهاب، وأخرى تتعلق بقضية انستالينغو، الأمر الذي من خلاله ترقب الأجهزة الأمنية والقانونية مدى توافر المعلومات، والاعترافات اللازمة لإصدار بطاقات ايداع بحق المتهمين في تلك القضايا على غرار ما حدث مع راشد الغنوشي وآخرين.

ارتياح نهضوي خارجياً

في المقابل، يرتاح كبار قيادات النهضة، وخصوصاً ممن يقيمون خارج تونس إلى استخدام وتوظيف خطاب مقاومة الديكتاتورية والانقلاب، والعمل على فرض ممارسة الحركة نشاطها ودورها بمعزل عن السلطة السياسية، واتصالا بالشعب التونسي مباشرة. بيد أن حقيقة الواقع الذي تعيشه الحركة على مستوى الاتصال الجماهيري يبدو في أزمة عميقة نتيجة مباشرة لتأزم الأوضاع السياسية خلال السنوات الأخيرة، ومدى الاضطراب والتعقد الذي طال كافة القوى الفاعلة، وعنف الصدام المباشر الذي حدث مع العديد من الاطراف داخل البرلمان، وفشل الحكومات المتعاقبة في تسيير أحوال المواطنين.

وارتباك نهضوي داخلياً

كما أن ذلك يشير أيضاً إلى مدى الأزمة التي تعاني منها الحركة نتيجة الاستقالات التي قدمتها أسماء ثقيلة في البنية التنظيمية للحركة وتوقيف زعيم النهضة التاريخي راشد الغنوشي وعدد من القيادات، الأمر الذي تسبب بثقف خطوات الحركة وارتباك تصوراتها وإدراكها لمكونات المشهد السياسي وكيفية التفاعل معه والتعاطي الواقعي مع كافة عناصره. وقد ظهر ذلك عبر التخبط مع تشكل جبهة الخلاص الوطني برئاسة أحمد نجيب الشابي وتقديمها كخط مواز للحركة وجدار يمكن الاستناد إليه في حال قامت السلطة السياسية بتجميد الحركة نهائياً. كما بدا ذلك مع إبراز قرار تكليف السيد منذر الونيسي بمباشرة مهام رئيس الحركة عبر تكليف خاص جاء من راشد الغنوشي. الأمر الذي لم يحجب حجم الفجوة التي تعاني منها الحركة وتراكم الانشقاقات بين الأجيال المتعاقبة، وهذا ظهر واضحاً مع صياغة التوجه نحو تنظيم مؤتمر عام للحركة خلال الشهر المقبل وما نتج عن ذلك من تباينات وتناقضات بين صفوف قيادات الحركة، وما ينبغي أن ينتج عن المؤتمر في نسخته الحادية عشر على المستوى التنظيمي، واستمرار القيادات التاريخية التي تتعرض لمحاسبات قانونية في السجون في مناصبها. فضلاً عن شكل ومنسوب العلاقة مع السلطة السياسية خلال الفترة المقبلة، وخصوصاً أن ثمة موعد للانتخابات الرئاسية ينبغي أن يكون بعد شهور قليلة خلال العام المقبل.

قبضة جبهة الغنوشي

وتتحرك جبهة راشد الغنوشي داخل حركة النهضة نحو العمل على إحكام قبضتها على القيادات الحالية، ولا سيما نائب رئيس الحركة  منذر الونيسي. وفي تقدير البعض أن التسريب الأخير الذي ظهر فيه  منذر الونيسي وهو يتحدث إلى إعلامية تونسية بشأن بعض الأمور المتعلقة بالحركة ومدى الأزمة التي تعاني منها جراء راشد الغنوشي وعائلته، فضلاً عن حديثه عن المال والفساد المتعلق به، كان مدبراً من خلال جناح راشد الغنوشي الذي يرى عدم جدوى تنظيم المؤتمر من دون حضور القيادات التاريخية، بينما الونيسي ورفاقه يذهبون نحو ضرورة عقد المؤتمر وتجديد هياكله التنظيمية ووضع الأنساق الضرورية لصياغة مقاربة مع الدولة تتيح له العمل وفق قواعد السياسة الجديدة.

تشير مصادر متطابقة إلى أن جناح راشد الغنوشي يرفض كلياً عقد المؤتمر ويخشى من خروج الحركة بعيداً عن حساباته وتصوراته، مما دفع أبناء هذا الجناح لوضع شروط محددة لتنظيم المؤتمر كانت كالتالي:

– التأكيد على مضمون  الخطاب السياسي للنهضة والذي جاء على لسان قياداتها منذ لحظة قرارات 25 تموز / يوليو 2021 واستمرت من خلاله خطابات جبهة الخلاص الوطني.

– كما ينبغي أن تؤكد الحركة والقائمين عليها حالياً على رفض السلطة القائمة واعتبار ان كل ما حدث انقلابا على الدستور والشرعية.

– التحرك من خلال العمل الميداني ضمن قيادة جبهة الخلاص الوطني وبذل التحركات المطلوبة بصدد ضم كيانات جديدة لمناهضة “الانقلاب.”

– تجديد الثقة في القيادات الموجودة داخل السجون لمرحلة انتقالية أخرى، عرفانا بجهودها وقدراتها وما قدمته للحركة والبلاد من تضحيات.

– الاتفاق على البنود التنظيمية والإجرائية التي سيتم الاعتماد عليها في المؤتمر اتساقاً مع ما سيقره مجلس الشورى.

شروط تُبرز الشرخ

لا يمكن بأي حال أن ينكر أي مدقق، الأزمة التي طالت حركة النهضة وكشفت عنها نية التنظيم لعقد المؤتمر، ومدى الخوف الذي تشعر به قيادات النهضة من بعضهم البعض. كما أن القراءة الموضوعية لتلك الشروط التي وضعها تيار الغنوشي كشرط رئيس لعقد المؤتمر، تكشف بجلاء عن الشرخ الكبير والعميق الذي يفصل تكوينات الحركة ومدى التباين في وجهات النظر حيال توصيف الوضع السياسي التونسي الراهن، ومدى استجابة بعض القوى الوازنة داخل الحركة لمواءمات سياسية، تدفعهم نحو معاودة العمل بشروط السلطة الحالية، فضلاً عن القيادات المستقيلة التي تدفع ايضاً نحو التوجه ذاته، وخصوصاً مع إصرار السلطة السياسية وأجهزتها الأمنية على استمرار آليات الضغط بحق كافة مكونات الحركة والأسماء الفاعلة، ويساعدها في ذلك فقدان النهضة كل روابط الاتصال والتواصل مع الشارع في تونس والضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المواطن خلال الشهور الأخيرة.

صعوبة عقد المؤتمر

إذاً، نستطيع القول أن ثمة صعوبة في عقد هذا المؤتمر خلال موعده الذي حدد في الشهر المقبل، نظراً لتفاعل إرادة التيار التاريخي داخل الحركة، مع ضغوط السلطة السياسية والرئيس التونسي قيس سعيد الذي يلوح عبر بعض أعضاء مجلس النواب بورقة تجميد حركة النهضة التي ستكون في ورطة تنظيمية وهيكلية.