جدل حول "التخصصات الراكدة"

أثير جدل واسع بين الأكاديميين والمهنيين في ضوء إطلاق ديوان الخدمة المدنية في الأردن يوم السبت 6 آب / أغسطس 2022، دراسة واقع العرض والطلب على التخصصات العلمية في الخدمة المدنية لحملة المؤهل الجامعي والدبلوم الشامل لكليات المجتمع لسنة 2022 ، إذ أعلنت الدراسة عن مجموعة التخصصات المشبعة والراكدة.

وفي هذا السياق عقد رئيس ديوان الخدمة المدنية سامح الناصر لقاء صحافياً بحضور أمين عام الديوان المهندس مبارك الخلايلة، وكبار موظفي الديوان ومندوبي وسائل الإعلام المحلية، ناقشوا خلاله ملف التخصصات الجامعيّة والمهنيّة وحالة السوق ومتطلباته، بالشكل الذي يتيح للخريجين معلومات كافية تساعدهم في اختيار مساراتهم التعليمية بهدف سرعة الانخراط بسوق العمل.

"خريج عاطل عن العمل"

وفي هذا السياق أظهرت هيكلية البيانات الخاصة بالمتعطلين عن العمل، وفقاً للبيانات والمعلومات الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة، أن البطالة تتركز بشكل أساسي بين حملة المؤهلات الجامعية وحملة الثانوية العامة وما دون، ولا توجد أي مؤشرات إلى وجود بطالة بين حملة دبلوم كلية المجتمع الشامل في التخصصات التقنية والفنية، والتي يحتاجها القطاع الخاص بشكل كبير.

وأكد رئيس ديوان الخدمة المدنية خلال اللقاء الصحافي ضرورة  إيصال المعلومة المتعلقة بتخصصات الطلبة قائلًا: “ليس بالضرورة أن يلتحق الطالب بعد نجاحه بامتحان الثانوية العامة بالدراسة الجامعية، وإنما استكمال تحصيله المهني والعلمي على مستوى دبلوم كلية المجتمع في التخصصات التقنية والفنية تحديداً التخصصات المطلوبة التي ظهرت في الدراسة، كونها توفر للخريجين سرعة الانخراط بسوق العمل، وهي مهن تدر دخلاً عالياً مقارنة بالمهن الجامعية في التخصصات الإنسانية، فضلاً عن الحاجة إليها في سوق العمل الإقليمي وحتى العالمي، وخصوصاً دبلوم كلية المجتمع التقني الذي مدة الدراسة فيه ثلاث سنوات.”

توصيات متعلقة بالتخصصات

في سياق متصل، أظهرت الدراسات الصادرة عن الديوان أهم التخصصات التي يشجع ديوان الخدمة المدنية الطلبة على الالتحاق بها مثل: الذكاء الاصطناعي والروبوتات؛ علم البيانات الضخمة؛ الأمن السيبراني؛ التسويق الرقمي والمتاجر الافتراضية؛ تكنولوجيا البلوك تشاين Blockchain؛ هندسة الأنظمة الذكية؛ وغيرها اضافة الى التخصصات المرتبطة بالطاقة مثل هندسة الطاقة المتجددة والطاقة البديلة وغيرها.

ومن التوصيات التي خلص إليها ديوان الخدمة المدنية: الاستفادة من برامج مؤسسة التدريب المهني، والتي ستمكن من الحصول بيسر وسهولة على فرص العمل، وخصوصاً في المهن الحرفية والفنية المختلفة والمطلوبة في سوق العمل، والتي توفر دخلاً عالياً لأصحابها مقارنة بالوظائف الأخرى؛ أن العديد من حملة المؤهلات الأكاديمية في مختلف التخصصات، قد تنبهوا لأهمية التدريب المهني، وقاموا بالتسجيل والالتحاق ببرامج مؤسسة التدريب المهني، الأمر الذي يؤكد أهمية  اختيار التخصصات المناسبة والمطلوبة التي يحتاجها سوق العمل في بداية المسار التعليمي للطلبة؛ التركيز على التعليم التقني، وذلك توفيراً للوقت والجهد والتكاليف نتيجة الالتحاق بالتعليم الأكاديمي.

ومن التخصصات الأكثر كثافة على مستوى حملة المؤهل الجامعي، وفقاً للكشف التنافسي لسنة 2022: العلوم التربوية واللغة الإنجليزية وآدابها؛ المحاسبة؛ اللغة العربية، وغيرها من التخصصات المصنف معظمها بالتخصصات الراكدة وغير المطلوبة، حيث تتراوح نسبة التعيين في هذه التخصصات ما بين 0% – 4,848%) وبالتالي نجد أنها مصنفة على أنها مشبعة وراكدة.

ومن الجدير بالذكر أن جهوداً مشتركة جمعت ما بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ومجلس التعليم العالي  والبحث العلمي، وهيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وضمان جودتها  عبر السنوات الماضية، بالتعاون مع الديوان في مجال إطلاق دراسة مفصلة عن التخصصات الراكدة والمشبعة، فضلاً عن القرارات المهمة التي اتخذها مجلس التعليم العالي بتحجيم نسب القبول في عدد كبير من التخصصات الجامعية وقرار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بعدم الموافقة على فتح أي تخصصات جديدة في الجامعات، إلاّ بعد استمزاج رأي الديوان بشأن الموقف من التخصصات المختلفة استناداً إلى عملية العرض والطلب، وقرار إدارة جامعة البلقاء التطبيقية بإلغاء نحو 100 تخصص من المصنفة راكدة، واستحداث تخصصات تواكب حاجة سوق العمل الفعلية بدلاً منها، فضلاً قرارات المهمة التي اتخذها مجلس التعليم العالي والبحث العلمي في استحداث عدد كبير من التخصصات المرتبطة بمهن المستقبل.

للخبراء الاقتصاديين تحليلاتهم

في ضوء مناقشة معدل البطالة الذي شهد ارتفاعاً بين حملة الشهادات الجامعية (الأفراد المتعطلون ممن يحملون مؤهل بكالوريوس فأعلى مقسوماً على قوة العمل للمؤهل العلمي نفسه)، إذ بلغ 26,2% مقارنة بالمستويات التعليمية الأخرى، كان لابد من الحديث مع خبراء اقتصاديين لتحليل هذا المؤشر والوقوف على مسبباته. وقد انقسمت الآراء ما بين من يجد أن هناك فجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، وبين من وجد بأن المشكلة متعلقة بالسوق والوضع الاقتصادي العاجز عن تأمين فرص عمل جديدة للشباب.

في هذا السياق، أشار الخبير الاقتصادي قاسم الحموري إلى وجود مشكلة أساساً في العرض والطلب، موضحاً أن “المعروض من العمل لا يتناسب مع النمو السكاني الكثير، فعلى الرغم من وجود إقبال شديد على التعليم الجامعي إلاّ أن الاقتصاد يواجه نمواً متواضعاً جداً، غير متناسب مع النمو السكاني، إذ إن معدل النمو الاقتصادي لا يتجاوز 2%، بينما النمو السكاني يصل إلى 3,5%.”

وأكّد دكتور الاقتصاد رعد التل أن هناك مشكلة في حاجة السوق لخريجي شهادة البكالوريوس، موضحاً أن “السوق يعاني أصلاً مشكلة العرض والطلب، وكذلك فإن الأزمة التي نتجت عن مخرجات التعليم البعيدة عن متطلبات سوق العمل، زادت الفجوة بشكل كبير بين حاجة السوق لخريجي شهادات البكالوريوس.”

وأشار التلّ إلى أن السوق يتجه نحو طلب خريجي شهادات المهن والتخصصات الفنيّة، لكون لأن حاجته والنقص الذي لديه يصب في هذا الاتجاه. وأكد ضرورة إعطاء أصحاب شهادات الدبلوم ضمانات تشجع الطلبة للتوجه نحو هذه المجالات، موضحاً أنه “لكي نشجّع الطلبة على التوجه نحو الاهتمام بالمهن التي يحتاجها السوق بشكل كبير، لابد من وجود ضمانات لأصحاب هذه الشهادات، وتوفير بيئة عمل، يلتمسوا من خلالها فارقاً حقيقياً.”

الخبير الاقتصادي غازي العساف قدّم جملة من التفسيرات التي تشرح مؤشر البطالة، في مقدمتها عجز الاقتصاد عن خلق فرص عمل جديدة، وأن المشكلة لا تكمن في التخصصات، موضحاً أن “أبرز ما يفسر ارتفاع معدل البطالة بين حملة درجة البكالوريوس، هو عدم قدرة الاقتصاد على خلق مزيد من الوظائف. والسبب الرئيسي هو مرورنا بحالة كساد تضخمي أدى إلى انكماش في الاقتصاد، وتراجع معدلات النمو الاقتصادي، وهذا كله أدى إلى أن عجلة الإنتاج لا يمكن أن تستوعب عدد الخريجين الداخلين الجدد لسوق العمل، والذين يعد أغلبهم من حملة شهادات البكالوريوس.”

وأشار العساف إلى جملة من الحلول المتعلقة بخفض معدلات البطالة، وخصوصاً المنتشرة بين الشباب قائلاً: “وإذا أردنا أن نقلل من هذا المعدل، ونحاول أن نجد حلاً، فالهدف الأساسي الذي يجب أن نعمل عليه هو تسريع معدل النمو، وهذه المسألة ليست سهلة، لأن عملية تسريع النمو يعني محاولة تغيير هيكل الاقتصاد مرة أخرى، وإذا أردنا ربط هذه التفسيرات مع أزمة الخريجين الجدد، فإغلاق تخصصات جامعية ليس حلاً لهذه المشكلة، وإنما الحل الأمثل هو فتح قنوات جديدة في سوق العمل، فالجامعات ليس هدفها تخريج طلاب يعملوا مباشرة وإنما هدفها تخريج أناس مؤهلين، بغض النظر عمّا إذا كان التخصص راكداً أم غير راكد.”

وأكد العساف ضرورة تحرّك الحكومة بما يختص في دعم القطاعات التي تولّد فرص عمل جديدة، موضحاً أن “هناك حاجة لسياسات حكومية لدعم القطاعات التي تسرّع توليد العمالة. على سبيل المثال القطاعات التي تحتوي خدمات إلكترونية، وخدمات الإنتاج التي يكون فيها قيمة مضافة عالية، وعدم التركيز على القطاع الحكومي الذي أصبح الآن عاجزاً عن خلق فرص عمل جديدة.” وأضاف، “يجب البحث عن القطاعات الواعدة التي تستوعب وتخلق مزيداً من العمالة، على رأسها الخدمات الإلكترونية، والخدمات المعلوماتية، والقطاعات الإنتاجية والصناعية التي تنتج قيمة مضافة عالية، هي الأولى والأجدر بمنحها اهتماماً عاليا.ً