العلاقات الصينية – اللبنانية واعدة لكنها حبر على ورق

منذ عدة سنوات، والعلاقات الاقتصادية بين لبنان والصين تشهد تطوراً مضطرداً، إن كان على صعيد الاتفاقيات والمبادلات أو علة التعاون في شتى المجالات. وتحتل الصين مركزاً متقدماً في قائمة الدول المصدرة إلى لبنان.

لكن خلال سنة 2021، سجلت الواردات ترجعاً طفيفاً بسبب وباء “كورونا” والوضع الاقتصادي المستجدّ في لبنان جراء الأزمة المركبة: سياسياً واقتصادياً، إلا أنّ الاستيراد من الصين تحسن، وبلغ في العام 2022 نحو 2,675 مليار دولار (أرقام الجمارك اللبنانية). بينما كان حجم الاستيراد في حدود 3 مليارت دولار في السنوات السابقة للأزمة.

أما حجم صادرات لبنان إلى الصين، فبلغت في 2022 نحو 15,5 مليون دولار فقط (أرقام الجمارك اللبنانية)، وهذا يعني أنّ الميزان التجاري بين الصين ولبنان يسجل عجزاً ضخماً لمصلحة الصين، قيمته 2,660 مليار دولار، أي نحو 99,5%.

أسباب موضوعية للتقارب اللبناني - الصيني

ثمة أسباب موضوعية تفرض التقارب بين لبنان والصين، ومن بين هذه الأسباب نذكر التالي:

  1. تحتل الصين مركزاً متقدماً في قائمة الدول التي يستورد منها لبنان، وذلك بسبب كثافة إنتاج الصين وتنوعه وتبعاً لأسعار سلعها المنافسة.
  2. يحتل لبنان دوراً إستراتيجياً بوصفه مركزاً إقليمياً للنقل والتجارة بين الشرق والغرب، ولهذا يُعتبر الساحل اللبناني بوابة الصين إلى العالم العربي.
  3. تمثل السوق اللبنانية العديد من الفرص للمستثمرين الصينيين، وخصوصاً في مجال التكنولوجيا، والصناعات الإستراتيجية، والبنى التحتية، والطاقة والنفط، وكذلك الموارد الطبيعية، والقدرات الإنتاجية، والأنشطة التجارية.
  4. كون لبنان عضواً في اتفاقية “التيسير العربية”، ويشكل بذلك مدخلاً إضافياً، ولو غير مباشر، للصادرات الصينية إلى الدول العربية.
  5. بين لبنان والدول الأوروبية اتفاقية شراكة تجعله كذلك، مدخلاُ غير مباشر لبعض الأسواق الأوروبية.

تطور العلاقات الصينية اللبنانية

العلاقات اللبنانية – الصينية ليست حديثة العهد، فقد بدأت في سنة 1955. يومها تمّ توقيع أول اتفاقية تجارية بين البلدين، ومذّاك تشهدت العلاقات التجارية بينهما تطوراً كبيراً. فأصبحت الصين من بين أكبر الشركاء التجاريين للبنان، وخصوصاً أن الصين ترى في لبنان التالي:

  1. شريك أساسي وفاعل في مبادرة “الحزام والطريق”، ومن المرتقب وضعه على خارطة تلك المبادرة وشق طريقها عبره للاستفادة من موقعه الإستراتيجي.
  2. تهتم الصين بجعل لبنان مركزاً للتجارة العربية – الصينية، ولعبور الصين إلى المنطقة عبره، ومحطة لعبور الصين إلى العراق وسورية، وخصوصاً الاستفادة من مشاريع إعادة إعمار سورياة مستقبلاً. وهذا كان عاملاً أساسياً لانطلاق الحماسة الصينية من أجل الاهتمام بلبنان. وكان ذلك أيضاً محفزاً للحماسة الأوروبية بين سنتي 2018 و2019 للمشاركة في مشروع المناطق الصناعية الذي وضعته وأطلقته وزارة الاقتصاد اللبنانية (قبل الأزمة) بشأن مشاريع الطاقة البديلة والاستثمار الصناعي والذكاء الاصطناعي.
  3. يمتلك لبنان إمكانيات مهمة، منها العنصر البشري المثقف والخبير والمدرّب وكذلك امتلاكه قطاعاً مصرفياً فاعلاً قبل الانهيار المالي والمصرفي الأخير، والقابل للنهوض مجدداً في حال تمكن لبنان من تخطي أزمته، بالإضافة إلى انفتاح لبنان على جميع دول العالم (باستثناء إسرائيل).
  4. لبنان بلد نفطي واعد، يستعد للانضمام إلى الدول المنتجة للنفط في غضون أشهر قليلة، وهذا يعني أن إمكانية وجود تقاطعات اقتصادية وتجارية كبيرة بينه وبين الصين قائمة بقوة.
  5. الانتشار اللبناني حول العالم هو مصدر تسويق مهمّ وإيجابي للبنانيين وكذلك للاقتصاد الصيني.

مجالات التعاون

ثمة مشاريع مطروحة للتعاون بين لبنان والصين على مستوى الاقتصاد الكلّي، لكنّ هذه المشاريع حتى اللحظة لا تزال طروحات لم تبت بها السلطات اللبنانية لاعتبارات عدة: سياسية، واقتصادية، سنأتي على ذكرها أدناه. هذه المشاريع هي على الشكل التالي:

على مستوى الإقتصاد الكّلي:

    1. بناء معامل تعتمد على الغاز لتوليد الطاقة الكهربائية لتأمين حاجات لبنان من الطاقة.
    2. تنظيف مياه الأنهر، انطلاقاً من الينابيع وصولاً إلى المصبات. وكذلك إقامة عدد من السدود أو البرك الاصطناعية لتجميع المياه وتوليد الطاقة الكهرومائية، من أجل تلبية حاجات لبنان من الطاقة ومياه الري.
    3. إقامة مشاريع تهدف إلى تنمية الصناعات البتروكيماوية الواعدة بعد استئناف لبنان عمليات استخراج النفط والغاز من مياهه الاقتصادية.
    4. تأمين بنية تحتية للنقل والشحن والمواصلات على أنواعها، لاسيما السكك الحديدية والأنفاق ذات الجودة العالية، وتأمين السلامة العامة المرورية واعتماد التكنولوجيا المتقدمة لإدارتها.
    5. إعادة تأمين وسائل نقل عامة متنوعة وفاعلة، وبتكلفة مقبولة باعتماد باصات مختلفة الأحجام بحسب المناطق وداخل المدن وخارجها.
    6. بناء الجسور السريعة والأنفاق لحل مشكلة السير في بيروت والمناطق.
    7. تأهيل شبكة سكك حديد واعتمادها لنقل البضائع في مرحلة أولى، ثم ربط الداخل اللبناني بمرافئ الساحل والمعابر الحدودية، وكذلك بالشبكات الإقليمية والمناطق الصناعية في الأطراف من ضمن مشروع وزارة الصناعة للمناطق الصناعية الجديدة (2018 – 2030).
    8. تأهيل المرافئ البحرية على طول السواحل وتقسيم عملها للنقل والشحن والسياحة والخدمات المرتبطة لتواكب انضمام لبنان إلى مبادرة “الحزام والطريق”.
    9. رفع مستوى قدرات مطار بيروت وتأهيل مطار القليعات في الشمال، لاستخدامه في نقل الركاب والشحن وربطه بشبكة الطرق والسكك الحديدية.
    10. إنشاء مطارات جديدة للخدمة السريعة والصغيرة في مختلف المناطق للنقل الداخلي والخارجي (طائرات صغيرة هليكوبتر).
    11. تحسين نوعية وجودة وتأمين استمرارية خدمات الهاتف الخلوي والأرضي والإنترنت وحماية المعلومات والبيانات الشخصية، ونشرها على مختلف الأراضي اللبنانية بكفاءة .
    12. بناء الممرات العابرة للحدود للطاقة الكهربائية، إضافة إلى توصيل كابلات شبكات الاتصال الحديثة من أجل تسهيل التجارة والاستثمار.
    13. إزالة الحواجز الاستثمارية والتجارية، وبناء مناطق التجارة الحرة، وتنمية الأعمال التجارية الإلكترونية العابرة للحدود والمشاريع المشتركة واعتماد لبنان كنقطة انطلاق نحو شمال أفريقيا وجنوب أوروبا.
    14. التعاون في تنفيذ مشاريع الطاقات النظيفة والمتجددة.
    15. إدخال اللغة الصينية في المناهج التعليمية للجامعات في لبنان، وإنشاء مراكز ومعاهد خاصة لتعليمها.

على مستوى القطاع الصناعي

  1. منح الصادرات اللبنانية الامتيازات نفسها الممنوحة لمستوردات لبنان من الصين، إذ إن المنتج اللبناني لا يلقى معاملة تفضيلية من قبل الصين على غرار منتجات دول أخرى.
  2. التخصصية والتكامل في الإنتاج وتقسيم العمل، إن كان داخل لبنان أو بين لبنان والصين، وفي إطار تبادلاتهما التجارية، وذلك بعيداَ عن المنافسة الشرسة وسياسات الإغراق.
  3. إقامة مشاريع صناعية مشتركة في كلا البلدين (Joint Venture) تجمع بين رأسمال دول الخليج والتكنولوجيا الصينية والموارد البشرية اللبنانية الكفوءة، ولاسيما في مجالات التكنولوجيا وصناعة الأدوية.
  4. التعاون في مجال الابتكار والتطوير والأبحاث العلمية والصناعية.
  5. ترسيخ النشاط البحثي المتخصص وتبادل الخبرات في مجالات التكنولوجيا العالية (تقنية الذكاء الاصطناعي الميكاترونكس، والنانوتكنولوجي والروبوتات وكذلك في استعمال الهيدروجين الأخضر والرقائق الإلكترونية.
  6. تسهيل حصول الصناعة اللبنانية على قروض ميّسرة من بنك الاستثمار الآسيوي الذي يتركز عمله على تطوير العديد من الدول الآسيوية، التي تعاني ضعفاً في بنيتها الأساسية نتيجة ضعف قدراتها المالية.
  7. مساعدة وزارة الصناعة اللبنانية في مشروع بناء المناطق الصناعية تنفيذاً لاستراتيجية المناطق الصناعية لتنمية مستدامة (2018 – 2030) عبر قروض وهبات ومساعدات تقنية، لأن تنفيذ المشروع يشكّل نقطة انطلاق مزدوجة الاتجاهات: نحو العمق العربي أو اتجاه الدول الأفريقية.
  8. تسهيل دخول المستثمرين اللبنانيين إلى الأسواق الصينية وإستثمارات الصينيين داخل لبنان.
  9. الاتفاق على استيراد سلع نصف مصنعة من الصين واستكمال تصنيعها في لبنان، لتصريفها محلياً. أو تصديرها إلى الدول المعقود معها اتفاقيات تجارية، كالدول العربية أو أوروبا كسلع ذات منشأ لبناني.
  10. تشجيع انتشار المطبخ اللبناني في الصين، مثلما هو الحال مع المطبخ الصيني في لبنان.
  11. التشجيع على إقامة الفعاليات المشتركة والمعارض والندوات وحشد المشاركة فيها.

المصادر الرسمية التي سبق أن شاركت في الاجتماعات بين الوفود الصينية التي زارت لبنان وبين السلطات اللبنانية، تقول إن طبيعة تمويل كل هذه المشاريع يأخذ أشكالاً مختلفة من القروض الطويلة الأمد التي تصل إلى نحو 30 سنة وبفوائد لا تتجاوز 1,5%، بينما القروض الأخرى ستعتمد أسلوب “ببناء – تشغيل – نقل” (BOT)، وكذلك الشراكة بين القطاع العام أو الدولة والقطاع الخاص.

محطات صينية في لبنان

– في 16 كانون الثاني/ يناير 2018، اختيرت العاصمة بيروت مقراً لممثلية المجلس الصيني لتشجيع التجارة الخارجية أو ما يعرف بـ (China Council for the Promotion of International Trade/ CCPIT)، التي ستغطي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

جاء اختيار لبنان، بسبب نظامه الاقتصادي الحر، وموقعه الإستراتيجي كمركز تجاري مهم في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة الى التسهيلات اللوجستية التي قُدمت للمجلس من قبل مجموعة “فرسبنك” (مصرف لبناني) لتسهيل مهمته في لبنان.

وتجدر الإشارة الى أن للمجلس الصيني لتشجيع التجارة الخارجية 30 ممثلية في العالم، وتكمن وظيفته في تطبيق الاستراتيجيات الوطنية للتنمية، وتشجيع التجارة الخارجية، والاستثمار الثنائي، والتعاون الاقتصادي والتكنولوجي.

– انضم لبنان في 26 حزيران/ يونيو 2018 إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، الذي تأسس في تشرين الأول/ أكتوبر 2014، ووقعت الصين مع 21 دولة أخرى على مذكرة تفاهم لتأسيسه، وجاء استجابة لفجوة التمويل الكبيرة في البنى التحتية في القارة الآسيوية.

وكشف البنك أن عضوية لبنان الرسمية، ستبدأ بعد استكماله الإجراءات المطلوبة، ودفعه أول جزء من رأس المال. وسيسمح انضمام لبنان إلى هذا البنك (الذي سيكون للصين فيه أكبر مساهمة بحصة 50%)، باستفادته من مصادر تمويل جديدة نظراً للسيولة الكبيرة التي يتمتع بها النك ولقدرته على تمويل مشاريع بنيوية هامة.

– في 11 أيلول/ سبتمبر 2017، وقّع لبنان على مذكرة تفاهم مع الصين لـ “الترويج المشترك للتعاون في إطار الحزام الاقتصادي لطريق الحرير ومبادرة طريق الحرير البحرية للقرن الواحد والعشرين”. وتنص المذكرة على تعاون الجانبين في مجالات ذات اهتمام مشترك، منها النقل واللوجستيات والبنى التحتية، والاستثمار والتجارة، والطاقة المتجددة والتبادل الثقافي بين الشعوب، والصحة والرياضة.

كما وقع لبنان على اتفاقيتين للمنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس مع غرفة التجارة الصينية ومنطقة نينشوان التكنولوجية.

– في 30 آذار/ مارس 2019، وخلال مشاركة وزير الصناعة اللبناني في افتتاح منتدى الاستثمار الصيني اللبناني الذي نظمته مجموعة “فرنسبنك” واتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان والمجلس الصيني لتعزيز التجارة الدولية، في مبنى عدنان القصار للاقتصاد العربي، تم توقيع مذكرة تفاهم بين المجلس الصيني لتعزيز التجارة الدولية ممثلاً برئيسته غاو يان واتحاد الغرف اللبنانية لإنشاء مركز التحكيم العربي الصيني، وكذلك جرى توقيع مذكرة تفاهم أُخرى بين المجلس ووزارة الصناعة لتعزيز الاستثمارات الصينية في المناطق الصناعية اللبنانية.

ماذا يحصل فعلياً اليوم؟

على الرغم من تنامي العلاقات الصينية اللبنانية بهذا الشكل الكبير إلا أن أغلب تلك المواضيع مازالت حبراً على ورق. فلبنان لم يحسم خياراته لناحية التوجه شرقاً أو نحو الصين على وجه الخصوص، وذلك لأسباب سياسية ترتبط بطبيعة النظام الطائفي والمصالح الاقتصادية والتجارية الخاصة لبعض الجهات السياسية أو القطاعات الفاعلة في هذه المجالات والضغوط الغربية المانعة.

ولأن لبنان يجد نفسه دوماً معنياً بشكل مباشرة في سياسة السعودية أو سياسة إيران. كما أن الهيمنة السياسية من ناحية الولايات المتحدة ما زالت فاعلة وقادرة على منع أي تقدم في العلاقة مع الصين.